[شرح حديث أخذ النبي صلى الله عليه وسلم فداء أسرى بدر ونزول العتاب في ذلك]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فداء الأسير بالمال.
حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: حدثنا أبو نوح قال: أخبرنا عكرمة بن عمار قال: حدثنا سماك الحنفي قال: حدثني ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لما كان يوم بدر فأخذ -يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم- الفداء أنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال:٦٧] إلى قوله: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} [الأنفال:٦٨] من الفداء، ثم أحل لهم الله الغنائم).
قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اسم أبي نوح فقال: أيش تصنع باسمه؟ اسمه شنيع.
قال أبو داود: اسم أبي نوح: قراد، والصحيح عبد الرحمن بن غزوان].
أورد أبو داود [باب في فداء الأسير بالمال].
فمن الأحكام المتعلقة بالأسير أنه يقتل أو يؤسر ويستعبد أو يمن عليه بدون فداء أو يمن عليه بمال، فيطلق سراحه في مقابل الفدية أو بمفاداته بغيره، بأن يكون أسير من المسلمين عند الكفار فيطلق في مقابله أسير من الكفار عند المسلمين، فهذا عن طريق المفاداة، والمفاداة تكون بالمال وبغير المال، تكون بالمقابلة وتكون بالمال.
وهنا ترجم بالمفاداة بالمال، وأنه يدفع مقداراً من المال فيطلق سراحه ويخلى سبيله في مقابل المال الذي دفعه، وقد عرفنا أن الأمر يرجع في ذلك إلى الإمام وما يرى فيه من المصلحة، فله أن يقتل، وله أن يأسر ويستعبد، وله أن يمن بفداء، وله أن يمن بغير فداء، والفداء إما أن يكون بالمال أو بالأسرى.
قوله: [(لما كان يوم بدر فأخذ -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- الفداء أنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال:٦٧])] كان هذا خلاف ما أشار به عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أشار عليه بعض الصحابة بأخذ الفداء وأشار عليه عمر بعدم أخذ الفداء، فنزل القرآن موافقاً لما رآه عمر ولما أشار به رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
والحاصل أن الحديث يدل على أخذ الفداء والمن على الأسرى في مقابل مال يبذل منهم.
قوله: [(ثم أحل لهم الله الغنائم)].
أي: سواء كانت من المال أم من النساء والذرية أم من الكفار الذين يأسرونهم وبعد ذلك يأخذون منهم الفداء، كما قال الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد:٤] وهذا يكون من جملة الغنائم، أعني الفداء.
كما أن الأسرى لو بقوا ولم يمن عليهم في مقابل مال يكونون عبيداً، وهم حنيئذٍ مال، فإذا اختير أن يخلى سبيلهم في مقابل مال يبذلونه فإن ذلك لا بأس به، ولكن المنع كان في أول الأمر، وبعد ذلك أحلت الغنائم، والله عز وجل قال: ((حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)).