للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (يا ثوبان! اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في الانتفاع بالعاج.

حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جحادة عن حميد الشامي عن سليمان المنبهي عن ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر كان آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة، وأول من يدخل عليها إذا قدم فاطمة رضي الله عنها، فقدم من غزاة له وقد علقت مسحاً أو ستراً على بابها، وحلت الحسن والحسين رضي الله عنهما قلبين من فضة، فقدم فلم يدخل، فظنت أن ما منعه أن يدخل ما رأى، فهتكت الستر وفككت القلبين عن الصبيين، وقطعته بينهما، فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما يبكيان، فأخذه منهما وقال: يا ثوبان! اذهب بهذا إلى آل فلان -أهل بيت بالمدينة- إن هؤلاء أهل بيتي أكره أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا، يا ثوبان! اشتر لـ فاطمة قلادة من عصب، وسوارين من عاج)].

أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب ما جاء في الانتفاع بالعاج، والعاج: قيل إن المراد به ما يتخذ من عظم الفيل، أو من سمك يكون في البحر، يتخذ للتزين، هذا هو المقصود، وفيما يتعلق بالسمك، وما يؤخذ منه ليس فيه إشكال، وإنما الإشكال والخلاف في الذي يكون من الفيل، ففي ذلك خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال بأنه سائغ، وقال: إن العظم ليس كاللحم حتى يكون ممنوعاً منه، وإنه لا تحل فيه الحياة، كما تحل في اللحم، ومنهم من قال: إن العظم كاللحم وإنه لا يستعمل شيء من الحيوان المحرم الذي لا يحل أكله؛ لأن مذكاه كميتته، ولا فرق بين كونه مذكى أو كونه مات حتف أنفه.

فاتخاذ ذلك من السمك كما قال بعض أهل العلم: لا إشكال فيه، واتخاذه من الحيوان الذي هو الفيل فيه إشكال وخلاف بين أهل العلم.

وقد أورد أبو داود حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد أن يسافر يكون آخر من يفارقه ابنته فاطمة رضي الله عنها، وإذا قدم تكون أول من يلقاه، وأنه جاء إليها وقد علقت ستراً على الباب، وجعلت قلبين من فضة على الحسن والحسين، فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم رجع؛ فظنت أنه فعل ذلك من أجل الستر، فهتكته، وقيل: إن هذا الستر لعله كان زينة، أو أنه كان فيه صور وتماثيل.

وأما الستر إذا كان لحاجة على الباب وعلى الفرجة فإن ذلك لا بأس به، ولا مانع منه، فهتكت الستر وقطعت القلبين، وجعلته بأيديهما، فذهبا وهما يبكيان لكونه قطع ذلك الذي كان لهما، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخذه منهما وأعطاه ثوبان وقال: أعطه لجماعة من الناس، وقال: إنه لا يحل أن يرى أهل بيته أو أقربائه عجلت لهم طبيباتهم في حياتهم الدنيا، وأمر ثوبان بأن يشتري لـ فاطمة فقال (اشتر لـ فاطمة قلادة من عصب، وسوارين من عاج) ومحل الشاهد هو قوله: (سوارين من عاج)، يعني: أنهما قد عملا من العاج الذي هو إما عظام تكون في بعض السمك -يعني: في ظهرها- أو أنه العظم الذي يكون في الفيل.

وأما العصب فقد قال أبو موسى المديني في المجموع المغيث: العاج: عظم ظهر السلحفاة البحرية، ثم قال عن العصْب: بالتسكين، أو العصَب، يحتمل عندي أن الرواية إنما هي العصَب بفتح الصاد، وهو: أطناب مفاصل الحيوانات.

يعني: العصب الذي يربط المفاصل.

قال: [ثم ذكر لي بعض أهل اليمن أن العصب سن دابة بحرية تسمى فرس فرعون يتخذ منها الخرز، يكون أبيض ويتخذ منها غير الخرز أيضاً كنصاب السكين وغيره.

والقلبان هما: سوران أو عقدان من فضة كانا معلقين عليهما للتجمل.

وقوله: (وقد علقت مسحاً أو ستراً على بابها).

هذا هو الذي هتكته، وهذا التعليق يحتمل أن يكون من أجل الزينة، وأن فيه شيئاً من التزين، أو أنه كان فيه صور تماثيل، فيكون الإنكار من أجله لا من أجل اتخاذ شيء يستر، فإنه يتخذ عندما يكون هناك حاجة إلى وضع شيء على الباب من أجل أن يحجب الرؤية عمن يكون في الداخل، ومن يكون في الخارج، وفي نفس الوقت يدخل معه الهواء الذي لا يكون مع إغلاق الباب.

والحديث ليس بصحيح، بل ضعيف؛ لأن فيه رجلين متكلماً فيهما، والتعليل الذي جاء في الحديث أنه أحب ألا يكون حصل لأهل بيته تعجيل الطيبات في هذه الحياة الدنيا، ولهذا أرسله إلى أهل البيت من أجل أن يستفيدوا منه، وغيرهما بسوارين من عاج هو لأن كونه من عظام السمك غير كونه من الفضة، وهذا أهون من هذا وأخف من هذا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>