للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إثبات موت الخضر وعدم تعمره.]

السؤال

هل يستثنى الخضر من الحديث الدال على انتهاء الجيل على رأس المائة السنة؟

الجواب

الخضر ليس مستثنى؛ لأنه ما جاء شيء يدل على حياته وبقائه، فما من دليل ثابت يدل على أنه حي وموجود، وإن كان قاله جماعة كثيرة من العلماء، وإنما الأدلة تدل على أنه قد مات، ومنها قول الله عز وجل: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:٣٤]، فإن هذه الآية عامة ولا يستثنى منها إلا إذا جاء دليل يدل على بقائه ووجوده كما تقدم في مسيح الهداية ومسيح الضلالة، ومنها هذا الحديث الذي معنا، فإن هذا يدل على أن من كان موجوداً في تلك الليلة لن تأتي عليه مائة سنة إلا وقد مات، فلو كان الخضر موجوداً فإنه سينتهي خلال هذه المدة، ولم يأت دليل يدل على استثنائه، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في بدر، وكان سأل الله عز وجل ورفع يديه وألح على الله تعالى في الدعاء حتى سقط رداؤه وكان من دعائه قوله: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض)، ولو هلكت العصابة الموجودة، فإن الخضر موجود يعبد الله في الأرض إذا كان ما مات، وإذا كان على قيد الحياة.

ثم أيضاً: لو كان الخضر موجوداً والرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله للناس كافة -وهو كما يقول الناس: إنه يصول ويجول في الدنيا- ألا يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويتشرف بصحبته ورؤيته ولقائه والجهاد معه، والذب عنه؟! كيف يكون حياً ثم لا يأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام ويجاهد معه وهو ذو بأس، كما يظنه من يظنه من الصوفية والذين لهم فيه أحاديث، وكلام كثير حول وجوده؟! كيف يكون موجودا ًولا يأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي)؟ فإذا كان الخضر حياً كيف لا يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يأتي إليه يتبعه؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن عيسى إنه إذا نزل سيحكم بشريعته.

فالقول الصحيح أنه غير موجود، وأنه قد مات، لما ذكرته من الأدلة التي ذكرها العلماء والدالة على موته وعدم حياته وبقائه.

وقد جاء في صحيح مسلم في قصة الرجل الذي يقتله الدجال ويقسمه قطعتين، ثم يعود، ذكر أحد الرواة أنه الخضر، وهذا في صحيح مسلم، وهو من زيادات الراوي عن الإمام مسلم، وابن حجر رحمه الله ألف كتاباً سماه: الروض النضر في نبأ الخضر، وذكر أقوال الناس الذين قالوا بحياته ووفاته، والذين قالوا بنبوته أو عدم نبوته، وهو مطبوع ضمن مجموعة الرسائل المنيرية، وكذلك ذكره أيضاً في الإصابة، ولكنه ألف فيه تلك الرسالة الخاصة المطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية، والقول الصحيح: أنه نبي وليس بولي فقط، ودعوى ولايته عول عليها كثير من الناس، حتى جعلوا للأولياء منازل وصفات كلها بناءً على أن الخضر ولي، ومعلوم أن الولي يأخذ من النبي ويتلقى منه، ومعلوماته إنما تأتي من النبي، وليس عنده معلومات من دون أن تأتي من النبي، بل الحق والهدى ما جاء عن الأنبياء، والأولياء هم تابعون للأنبياء، والقول الصحيح أنه نبي وليس بولي، وقصته في سورة الكهف تدل على أنه نبي، وقد ثبت أنه قال لموسى: (أنت على علم من الله لا أعلمه وأنا على علم من الله لا تعلمه) وقال في نفس القصة، في سورة الكهف عدة مواضع {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف:٦٥]، وفي آخرها {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:٨٢].

فهذا كله يدل على أنه نبي وليس بولي وقوله لموسى: (أنا على علم من الله) معلوم أن العلم الذي يكون عند الناس إما ولي جاء علمه عن طريق الأنبياء أو نبي جاء علمه عن الله عز وجل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>