للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث (أن غلاماً لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء فلم يجعل عليه شيئاً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في جناية العبد يكون للفقراء.

حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي نضرة عن عمران بن حصين: (أن غلاماً لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء، فأتى أهله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: يا رسول الله! إنا أُناس فقراء، فلم يجعل عليه شيئاً)].

قوله: [باب في جناية العبد يكون للفقراء]، أي: أن العبد الجاني تتعلق جنايته وحق غيره برقبته، إما أنه يباع ويؤخذ الحق من قيمته، وإما أن سيده يدفع ذلك الحق الذي تعلق برقبة عبده، وتبقى رقبة العبد الجاني له، وإن لم يدفع فإن الحق متعلق بالرقبة، فصاحب الحق له أن يطالب به، فإما أن يعطى العبد، وإما أن يباع ويأخذ حقه من قيمته، وأما الحر فإن العاقلة هم الذين يتحملون جنايته إن أخطأ، والعاقلة إذا كانوا فقراء ليس عليهم شيء، ولكن الذي يظهر أن هذا يبقى في الذمة، كالحقوق التي لا يمكن أداؤها في الحال، فإنها تبقى متعلقة في الذمة، فإذا أيسروا وإذا قدروا يدفعون، إلا أن يتجاوز عنهم.

أورد أبو داود حديث عمران بن حصين: (أن غلاماً لأناس فقراء).

أي: أن لفظة الغلام ليست مختصة بالعبد ولا بالحر، بل تكون لهذا ولهذا، فكل واحد يقال له: غلام.

قوله: [(لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء)] يعني: أنه حصل منه جناية، والذين يتحملون العقل عنه هم فقراء، ومعلوم أن الفقير لا يلزم بشيء لا يطيقه، قال عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦]، لكن الأمر كما قال الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:٢٨٠]، أي: أنه لا يضيع الحق، ولكنه يبقى متعلقاً في الذمة.

قوله: [(فأتى أهله النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا أناس فقراء، فلم يجعل عليه شيئاً)].

لم يجعل عليه شيئاً؛ لأنهم فقراء لا يستطيعون الدفع، والله عز وجل يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦].

وقوله في الترجمة: [باب في جناية العبد يكون للفقراء] الذي يظهر أنه حر وليس عبداً؛ لأن العبد كما هو معلوم الجناية تتعلق برقبته.

والحديث واضح بأنه ألزمهم بأن يعقلوا عنه، وهذا يدل على أنه حر وليس عبداً، فبين الترجمة والحديث مباينة.

والعقل أو الدية إنما تكون في خطأ أو شبه عمد، أما العمد ففيه القصاص، إلا أن يعفو الولي، وعدم ذكر القصاص في هذا الحديث إما أن يقال: إن الغلام ليس بالغاً فعمده خطأ؛ لأنه غلام، أو يقال: إنه قطعها خطأً، لكن كلمة الغلام لا تعني: أنه صغير، قد يكون صغيراً وقد يكون كبيراً.

وكونهم وصفوا بأنهم فقراء فهذا يدل على أنهم يعقلون عنه لكنهم لم يطالبوا بشيء لا يستطيعونه؛ لأن العاقلة إذا كان فيهم فقير وفيهم غني، فالفقير لا يؤخذ منه شيء، وإنما يؤخذ من الأغنياء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>