قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف حدثنا أبو زكريا يحيى بن إسحاق السيلحيني حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لـ أبي بكر رضي الله عنه: (متى توتر؟ قال: أوتر من أول الليل، وقال لـ عمر رضي الله عنه: متى توتر؟ قال: آخر الليل، فقال لـ أبي بكر: أخذ هذا بالحزم، وقال لـ عمر: أخذ هذا بالقوة)].
عرفنا في الحديثين السابقين أن للإنسان في الوتر حالتين: إن كان يثق من نفسه أن يقوم آخر الليل فإنه يوتر آخر الليل، وإن كان لا يثق من نفسه أن يقوم آخر الليل فعليه أن يوتر قبل أن ينام.
إذاً الذي تقتضيه الأدلة وتدل عليه أن الإنسان يكون على هاتين الحالتين، وقد مرت جملة من الأحاديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تتعلق بالوتر قبل النوم، ومنها حديث أبي هريرة السابق:(أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث وذكر منها: وأن أوتر قبل أنام).
قوله: عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ أبي بكر: متى توتر؟ فقال: في أول الليل، وقال لـ عمر: متى توتر؟ فقال: في آخر الليل، فقال عليه الصلاة والسلام في حق أبي بكر:(أخذ هذا بالحزم) وقال في حق عمر: (أخذ هذا بالقوة) أي: أن كلاً منهما ممدوح ومحمود على فعله.
وقوله:(أخذ هذا بالحزم) يعني: ضبط الأمور والحذر من فوات الشيء ومن عدم الإتيان بالمطلوب وهو الوتر؛ لأن الإنسان إذا أوتر قبل أن ينام فقد اطمأن إلى أنه أدى ما هو مطلوب منه.
ومعلوم أن الوتر يكون في أول الليل ووسطه وآخره، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أوتر من أول الليل ووسطه وآخره، فكل ذلك سائغ، وكل ذلك جاءت به السنة.
قوله:(أخذ هذا بالقوة) والقوة هي النشاط.
إذاً: الذي أخذ بالحزم والذي أخذ بالقوة كل منهما محمود.
والحديث يدلنا أيضاً على أن الوتر يكون أول الليل ويكون آخره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر هذا وأقر هذا، وكان صلى الله عليه وسلم يوتر من أول الليل ومن وسطه ومن آخره.