للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب النداء يوم الجمعة.

حدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني السائب بن يزيد رضي الله عنه: (أن الأذان كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان خلافة عثمان وكثر الناس أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك)].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي [باب النداء يوم الجمعة] أي: الأذان للجمعة، والنداء هو الأذان كما في حديث: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول) ويقال له: النداء لأنه نداء للصلاة بقول: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) أي: تعالوا وهلموا وأقبلوا، فالأذان نداء للناس لأن يحضروا لأداء الصلاة، و (حي على الصلاة حي على الفلاح) نداء وطلب منهم أن يحضروا وأن يتوجهوا إلى المساجد للإتيان بالصلوات التي فرضها الله عز وجل.

والجمعة كغيرها ليس لها إلا أذان واحد، وكان الأذان عندما يجلس الإمام على المنبر، ثم يخطب خطبتين، وعند فراغهما تكون الإقامة والصلاة، وقد أطلق على الإقامة أذان، ولهذا أورد أبو داود رحمه الله حديث السائب بن يزيد رضي الله تعالى عنه: [أن الأذان كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر] يعني: عندما يأتي ويجلس على المنبر يكون الأذان، وبعد فراغ الأذان يقوم الإمام لإلقاء الخطبة، فكان الأذان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما عندما يجلس الخطيب على المنبر، ثم بعد الفراغ من الخطبتين تأتي الإقامة التي هي أذان.

قال: فلما كان زمان عثمان وكثر الناس أمر بالأذان الثالث، وسمي ثالثاً باعتبار أن الإقامة أذان؛ لأن الإقامة قبلها الأذان عند جلوس الخطيب على المنبر ثم الأذان الثالث الذي زاده عثمان، فسمي ثالثاً باعتبار الزيادة، وهو الأول من حيث الوقوع، ولكنه ثالث من حيث الزيادة، فتوجد إقامة، وقبل الإقامة أذان، وهو الذي يكون عند جلوس الخطيب على المنبر، وقبل هذا الأذان الأذان الذي جاء به عثمان، فهو ثالث باعتبار الزيادة ولكنه أول من حيث الوقوع، الإقامة تسمى أذاناً لأنها إعلام بالقيام إلى الصلاة، والأذان هو إعلام بدخول الوقت، والإقامة إعلام الناس بأن يقوموا للصلاة من أماكنهم ليصطفوا.

فـ عثمان رضي الله عنه وأرضاه زاد هذا الأذان لما كثر الناس، وكان يؤذن به على الزوراء، وهي دار قيل: إنها كانت في السوق، وقيل: إنها كانت بين المسجد والسوق، وكان المقصود من ذلك أن يترك الناس ما هم عليه من البيع والشراء ويذهبون للاستعداد للجمعة والتهيؤ للجمعة، بأن يغتسلوا ويلبسوا أحسن الثياب ثم يأتوا إلى الجمعة.

وعثمان رضي الله عنه وأرضاه في زمن عمر جاء مرة متأخراً وعمر على المنبر يخطب الناس، فلما دخل عثمان قطع عمر الخطبة وقال له: أي ساعة هذه؟! أي: لماذا جئت متأخراً؟! فقال: يا أمير المؤمنين! إنني كنت في بعض شأني، ولما سمعت الأذان ما زدت على أن توضأت وجئت فقال: والوضوء أيضاً؟! أي: من غير غسل، فلما كان زمن عثمان رضي الله عنه وأرضاه كثر الناس، فأتى بهذا الأذان، وأقره الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم وما أنكروا عليه، فلهذا قال في هذا الحديث: [فثبت الأمر على ذلك]، يعني: على هذه الزيادة التي زادها عثمان، وهي الأذان الثالث، فالجمعة لها أذانان: الأول: الأذان الذي عند صعود الخطيب على المنبر، والأذان الثاني الذي زاده عثمان رضي الله عنه، والمقصود منه أن يتهيأ الناس للجمعة، وأن يحضروا إليها ويتركوا ما هم فيه من البيع والشراء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>