للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (الشفعة في كل شيء ربعة أو حائط)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الشفعة.

حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الشفعة في كل شرك ربعة أو حائط، لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه؛ فإن باع فهو أحق به حتى يؤذنه)].

أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في الشفعة, والشفعة هي استحقاق الشريك حصة شريكه إذا باعها على رجل آخر، فإنه يستحق انتزاعها بالقيمة التي باعها شريكه على غيره؛ وذلك من أجل رفع الضرر، فقد يحصل في اختلاف الشركاء من يكون سيء المعاملة فيترتب على ذلك ضرر، وقد يشتري بعض الناس حصة شريك مشاعة من أجل أن يضار غيره، فشرعت الشفعة من أجل ذلك، فيمكن أحد الشريكين أن ينتزع حصة شريكه التي باعها على رجل آخر بالقيمة التي اتفق عليها.

فالشفعة حق أعطي للشريك، وهذا فيما إذا كان مشاعاً ولم يتميز نصيب كل منهما، وأما إذا تميز وقسمت الأرض التي بين الشريكين وعرف كل حدوده وأرضه فإنه في هذه الحالة لا شفعة؛ لأن الاشتراك قد ذهب وصار نصيب كل واحد معلوماً متميزاً ولا يقال: إنه شريك، فإذا قسمت الأرض ووضعت الحدود وصرفت الطرق فعند ذلك لا شفعة.

ويستحق الشريك الشفعة بالسعر الذي اشترى به المشتري، وقد جاء في أكثر الأحاديث التي جاءت في الشفعة أنه: (إذا وضعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة)، فهذا يكون في العقار والأراضي، فبعض أهل العلم قصر الحكم في ذلك على الأراضي؛ لأنه جاء فيها ذكر التقسيم والحدود والطرق، وبعض أهل العلم عمم الحكم حتى في المنقولات التي يكون فيها الاشتراك؛ لأن الضرر الذي يكون في الثابت غير المنقول يكون أيضاً في المنقول، كشخصين لهما سيارة يعملان عليها بالأجرة، ثم إن أحد الشريكين باع حصته، فبعض أهل العلم قال: لا شفعة فيها؛ لأن الأحاديث التي وردت إنما وردت في الطرق والأراضي والعقار التي لم تقسم ولم يعرف كل واحد منهما نصيبه، لكن قد جاء ما يدل على العموم كما في حديث عن جابر رضي الله عنه: (الشفعة في كل شيء) عند الطحاوي وذكره الحافظ في البلوغ، وقال: إن رجال إسناده ثقات، وهو يدل على عموم الحكم في الثابت والمنقول؛ لأن المحذور يكون في الاشتراك في الأرض، وكونه يأتينا شريك جديد، ومثله إذا كانوا شركاء في سيارة أو دابة، فإن المحذور الذي يكون في الأرض موجود في مثل المنقولات، وعلى هذا فالشفعة ثابتة في كل شيء، سواء في الثابت أو المنقول.

وأورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه قال: (الشفعة في كل شرك ربعة أو حائط) يعني: منزل أو بستان، (لا يصلح أن يبيعه حتى يؤذن شريكه) أي: ينبغي على الشريك أن يخبر شريكه، فلا يبيعه بدون علمه، وإنما يخبره بأنه سيبيع، فإذا كان يريد أن يشتريها اشتراها، فمن حسن المعاملة، ومن الأخلاق الكريمة، ومن حسن معاملة الشريك لشريكه أنه عندما يريد أن يبيع أن يخبره؛ حتى يكون على علم، وإن باع فإن الشريك له الحق في أن ينتزع حصة الشريك من شريكه الذي انتقلت إليه، (لا يصلح أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن باع فهو أحق به حتى يؤذنه) فإن باع فهو أحق به أي: الشريك الذي لم يبع أحق بحصة الشريك البائع، (حتى يؤذنه)، فإذا علم بأن البيع قد تم وحصلت الشفعة بعد علمه مباشرة فإنها تنفذ، وأما إذا علم وترك ثم أراد أن يشفع فيما بعد فإن ذلك لا يمكنه؛ لأنه لو كان الأمر كذلك فإنه يمكن الشريك الذي لم يبع أن يأتي في أي لحظة بعد أن تمضي مدة طويلة إلى المشتري الذي اشترى من شريكه فيقول له: أنا شفعت، فالشفعة مقيدة بالعلم، وعند بلوغ الخبر إليه بأن البيع قد تم فإن ترك الشفعة، أو لم يذكر أنه شفع، أو لم يخبر بأنه شفع، أو يشهد على أنه شفع وأنه قد أعلمه، ولكنه ترك حتى مضت مدة فيسقط حقه في الشفعة؛ لأن إعطاءه الفرصة بدون تحديد لا شك أن فيه مضرة على المشتري الذي اشترى من شريكه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>