قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب جماع أبواب ما يصلى فيه.
حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الصلاة في ثوب واحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أَوَلكُلَّكُمْ ثوبان؟!)].
أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب جماع أبواب ما يصلى فيه.
يعني: أن هذه الأبواب التي ستأتي تتعلق بالثياب التي يصلى فيها، والمقصود من ذلك ما هو واجب متعين، وما هو أكمل، وما هو أفضل، والواجب المتعين هو ستر العورة، وهي: من السرة إلى الركبة، والكمال يكون في اللباس الذي يكون به الزينة، ويكون به ستر العورة وغير ذلك، وقد قال الله عز وجل:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف:٣١] ففسر ذلك بأنه عند كل صلاة، وكما ذكرت: المتعين هو ستر العورة، وفي حال السعة والتمكن يأتي الإنسان بما هو أكمل وأتم، من غير إسراف وتجاوز للحد، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة:(أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في ثوب واحد، فقال: أو لكلكم ثوبان؟!) يعني: أنه لو كانت الصلاة في الثوب الواحد غير سائغة فمن الذي يتمكن من أن يحصل ثوبين؟! ومعنى هذا: أن الصلاة في الثوب الواحد سائغة، وأنه لا بأس بها، ولكن الأكمل هو أن يكون على الإنسان ثوبان، كإزار ورداء، أو سراويل وقميص، أو قطعتان يضم بعضهما إلى بعض فيلتحف بهما، فيتزر ببعضهما في نصفه الأسفل، ويجعل أطرافهما على كتفيه ومنكبيه.
فالصلاة في الثوب الواحد سائغة، والمراد بالثوب: القطعة من القماش، كالإزار والرداء، فإنهما ثوبان، والثوب الواحد: القطعة من القماش التي يلفها الإنسان على وسطه بمثابة الإزار، ويجعل أطرافها على كتفيه، والرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الصلاة في الثوب الواحد قال:(أو لكلكم ثوبان؟!) يعني: لو كان لازماً أن الإنسان لا يصلي إلا في ثوبين فمن الذي يملك ثوبين؟ وهذا يدل على ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم من قلة ذات اليد، وقلة السعة في المال؛ ولهذا لما سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السؤال قال:(أو لكلكم ثوبان؟) يعني: أن الصلاة في الثوب الواحد سائغة، ولكن إذا أمكن أن يصلى في ثوبين فإن هذا هو المتعين، وهذا هو الذي لا بد منه، وأما إذا كان الإنسان لا يستطيع إلا أن يأتزر بإزار فقط يستر به عورته فالله عز وجل يقول:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن: ١٦] ويقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦].