للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث أم سلمة في نهي النبي لها عن الكحل والطيب والحناء والصبر حال عدتها]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني مخرمة عن أبيه قال: سمعت المغيرة بن الضحاك يقول: أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها: أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء -قال أحمد: الصواب: بكحل الجلاء- فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة رضي الله عنها فسألتها عن كحل الجلاء، فقالت: لا تكتحلي به إلا من أمر لابد منه يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار، ثم قالت عند ذلك أم سلمة: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبراً فقال: ما هذا يا أم سلمة؟! فقلت: إنما هو صبر يا رسول الله! ليس فيه طيب، قال: إنه يشب الوجه، فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار، ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب، قالت: قلت: بأي شيء أمتشط يا رسول الله؟! قال: بالسدر تغلفين به رأسك)].

أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها وفيه: أن المغيرة بن الضحاك قال: أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها: أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء، والجلاء قيل: هو الأثمد الذي يجلو العينين ويجملهما، وقد سبق أن مر الحديث الذي فيه المنع من ذلك، وفيه: أن امرأة جاءت وقالت: إن ابنتها مات زوجها وأنها تشتكي عينها أفنكحلها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (لا، ثم قال: إنما هي أربعة أشهر وعشر)، ثم ذكر العمل الذي كانوا يعملونه في الجاهلية من أن المرأة كانت تمكث سنة كاملة في حالة سيئة، وأن الإسلام جاء بأمر يسير وشيء سهل ومدة تعتبر ثلث المدة التي كانت في الجاهلية تقريباً.

وهذا الحديث فيه أنها تستعمل الكحل إذا كان في أمر لابد منه، وأنها تضعه بالليل وتمسحه بالنهار، وكذلك ما ذكرته أم سلمة عن استعمالها للصبر في عينيها عندما مات أبو سلمة وهي في عدتها منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه يشب الوجه) يعني: أنه يجمل ويظهر الوجه بمظهر حسن، وأمرها بأن تفعله بالليل وتمسحه بالنهار.

ولكن هذا الحديث مخالف للحديث الذي مر وهو صحيح فقد منعها فيه من الاكتحال، وأيضاً هذا الحديث في إسناده مجهولان ومقبول، إذاً فهو ليس بحجة ولا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أم سلمة؛ لأن الإسناد إليها فيه هاتان المجهولتان والرجل المقبول الذي دونهما، والمقبول لا يحتج به إلا إذا وجد من يعضده، ولو وُجد من يعضد هذا فإنه لا حجة فيه؛ لأن الإسناد فيه هاتان المرأتان المجهولتان، إذاً فالحديث غير صحيح فلا يعارض الحديث الذي سبق أن تقدم في أن المرأة لا تكتحل، وأنها إنما كانت تريد أن تفعل ذلك للعلاج في أمر لابد منه، ولهذا قالت: اشتكت عينها أفنكحلها؟ فقال: (لا).

<<  <  ج:
ص:  >  >>