[شرح حديث النهي عن أن تنزى الحمر على الخيل]
قال المصنف رحمه الله تعالى [باب في كراهية الحمر تنزى على الخيل.
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن ابن زرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة فركبها، فقال علي: لو حملنا الحمير على الخيل فكانت لنا مثل هذه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون)].
أورد أبو داود باباً في النهي عن أن تنزى الحمر على الخيل يعني: فتتولد منها البغال؛ لأن الخيل إذا نزت على الخيل جاء خيل، والحمير إذا نزت على الحمير جاء حمار، ولكن إذا نزى جنس على غير جنس جاء شيء له اسم خاص، وهو البغل الذي يكون متولداً من الحصان والحمار، والنهي جاء عن الإنزاء يعني: كون الناس يتعمدون هذا الشيء، وذلك أن فيه قطع النسل المرغوب فيه، وعمل على وجود نسل من جنس آخر أخف منه الذي هو البغل، الذي لا يحصل منه الكر والفر الذي يحصل من الخيل والأفراس.
فإنزاء الحمر على الخيل يكون فيه عدم التوالد بين الخيل أو قلة التوالد بين الخيل، مع أن الخيل معقود في نواصيها الخير، وهي التي يرغب فيها وفي تناسلها، وفي استعمالها، وقد جاء في القرآن أن الله امتن على الناس بالخيل والبغال قال تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل:٨] فذكر البغال، ولكن كونه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ذلك يدل على أن هذا الذي يحصل قد يأتي بدون إنزاء، فإذا حصل بدون إنزاء فهذا شيء ليس للشخص دخل فيه، وإنما أن يتعمد الناس ويأتون بالحمار، ويمسكون الفرس حتى ينزو عليها فهذا هو الذي جاء فيه النهي.
فإذاً: الذي جاء في القرآن من الامتنان بها نعم هي نعمة من النعم ويستفاد منها، ولكن كونها تأتي من غير قصد هو الذي لا يخالف ما جاء في الحديث.
والبغال تستعمل ويستفاد منها إذا وجدت، لكنه لا يعمل على إيجادها بكون الحمير تنزو على إناث الخيل.
قوله: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة فركبها)].
فدل ذلك على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ركب البغال، والله تعالى ذكر الامتنان على عباده بها في سورة النحل.
قوله: [فقال علي: (لو حملنا الحمير على الخيل لكانت لنا مثل هذه)].
يعني: الرسول لما ركب هذه البغلة التي أهديت إليه واستعملها قال علي: (لو حملنا الحمير على الخيل لكان لنا مثل هذه)، يعني: هذه التي ركبها النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [فقال عليه الصلاة والسلام: (إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون)].
يعني: الذين هم لا يعلمون العواقب أو النتائج، وأنه يأتي شيء غير مرغوب فيه، ويترك الشيء الذي هو مرغوب فيه، أو الذين لا يعلمون الأحكام.