[شرح حديث (أتيت عمر فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عون أخبرنا أبو عوانة عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن الحارث بن عبد الله بن أوس قال: (أتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض، قال: ليكن آخر عهدها بالبيت، قال: فقال الحارث: كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فقال عمر: أربت عن يديك، سألتني عن شيء سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكيما أخالف!)].
أورد أبو داود حديث الحارث بن عبد الله بن أوس رضي الله عنه: (أنه جاء إلى عمر وسأله عن الحائض تطوف يوم النحر، ثم تحيض، فقال عمر: ليكن آخر عهدها بالبيت، قال: فقال الحارث: كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: أربت عن يديك).
يعني: دعا عمر رضي الله عنه عليه؛ لكونه سأله عن شيء قد سأل عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه قد يجيب بشيء يخالف ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم باجتهاده وعدم اطلاعه.
وفيه أن من بلغه حديث النبي صلى الله عليه وسلم ليس له أن يسأل غيره عما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الحديث بلغ هذا الرجل عن النبي عليه الصلاة والسلام فلا يحتاج أن يسأل غيره عن ذلك.
وهنا قال: (ليكن آخر عهدها البيت) وهذا إنما يكون لو طهرت قبل أن تسافر، أما إذا كان الحيض مستمراً معها وأرادوا السفر، فقد جاءت الأحاديث الأخرى كما في حديث صفية وغيره أنها تنفر ولا شيء عليها.
وهذا الحديث مخالف للأحاديث الأخرى الصحيحة، فيكون صحيحاً محفوظاً باعتبار أنها إذا طهرت فإنها تطوف، أما إذا كان الحيض مستمراً معها، فإنها لا تحبس الناس، وإنما تنفر، كما جاء في الحديث: (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم البيت، إلا أنه خفف عن الحائض) وحديث عائشة الذي تقدم في قصة صفية: (فقيل: إنها قد أفاضت، فقال: فلا إذاً) يعني: أن طواف الوداع يسقط عنها.
هذه فائدة: يقول الحافظ في الفتح (٣/ ٥٨٧): واستدل الطحاوي بحديث عائشة وحديث أم سلمة على نسخ حديث الحارث في حق الحائض.
يعني: أن العمل بحديث الحارث منسوخ.
وهذا يشكل مع حديث قصة صفية؛ لأنه هناك ليس فيه انتظار، وأما هنا فإنه قد يفهم منه الانتظار، فيكون بذلك منسوخاً، لكن لو كان الحيض قد ذهب عنها أو كانت باقية لأمر من الأمور، أو أرادت أن تجلس، فلابد أن يكون آخر عهدها الطواف بالبيت؛ لأن سقوط ذلك عنها كان بسبب الحيض، أما وقد ذهب الحيض فلابد أن تطوف.
يقول الخطابي: قلت: وهذا على سبيل الاختيار في الحائض، إذا كان في الزمان نفس، وفي الوقت مهلة، فأما إذا أعجلها السير كان لها أن تنفر من غير وداع بدليل خبر صفية.
إذاً: لا شك أنها لو طهرت فلا يجوز لها أن تخرج إلا وقد ودعت؛ لأنها لو طهرت فليس هناك مانع يمنعها من الطواف، وإنما الكلام في قضية الاستعجال إذا أرادت أن تسافر وتنفر، فيسقط عنها الوداع كما جاء في حديث صفية وغيره: (أنه خفف عن الحائض) يعني: في حال حيضها، وأما إذا طهرت فإنه يتعين عليها أن تطوف ولا يجوز لها أن تخرج، ولو خرجت غير مودعة لزمها دم؛ لأنها خرجت وهي طاهرة.