للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة)].

أورد أبو داود حديث جابر من طريق أخرى، وفيه قال: (إنما جعل رسول الله الشفعة في كل ما لم يقسم) يعني: في الشيء المشاع، وأما ما قد قسم وعرف كلّ نصيبه فلا شفعة فيه؛ لأنه لا اشتراك إذا حصلت القسمة وعرف كلّ نصيبه، فقد انتهت الشركة فلا شفعة، إلا أن يكون هناك شيء مشترك بينهما كالطريق كما سيأتي في الحديث، فإن الاشتراك في الطريق أيضاً يترتب عليه استحقاق الشفعة مادام أن القسمة ما وجدت، فوجود طريق مشترك يدخل على المحلين وعلى القطعتين، فهذا الاشتراك الذي في الطريق يفيد حصول الشفعة؛ لأن الضرر يحصل أيضاً في الدخول والخروج وبالاشتراك في الطريق الذي هو خاص بهما، فإذا لم يوجد شيء يربط بينهما، وكل استقل بنصيبه وليس هناك اشتراك في الأرض ولا في الطريق فلا شفعة.

فقوله: (إنما جعل رسول الله الشفعة في كل ما لم يقسم)؛ لأن الشريكين حقهما مشاع، وكل واحد حقه غير متميز، وكل جزء من الأرض لكل منهما فيه نصيب حتى تقسم ويعرف أن هذا لهذا وهذا لهذا.

(فإذا وضعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة)، أي: عند ذلك تزول الشركة، والأحاديث التي وردت في الشفعة إنما هي فيما يقسم من العقار، وجاء في حديث جابر: (الشفعة في كل شيء)، وهذا عام يشمل العقار وغير العقار, وهذا مثال للقاعدة المشهورة التي يقولون فيها: الحكم على بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصص العام؛ لأن (الشفعة في كل شيء) عام يشمل العقار وغير العقار، وقد جاءت نصوص خاصة في العقار لا تخصص العام، بل العام باق على عمومه، وإنما الذي حصل هو أن ذلك الخاص جاء مرتين، مرة داخل تحت اللفظ العام، ومرة منصوص عليه على سبيل الاستقلال، فمن القواعد التي يذكرها الفقهاء: أن الحكم على بعض أفراد العام بحكم العام لا يخصص العام، فحديث جابر عند الطحاوي: (الشفعة في كل شيء) يدخل فيها المنقول والعقار، ثم جاءت نصوص خاصة بالعقار، فهذه النصوص الخاصة في العقار لا تخصص العام ويقال: إن الحكم مقصور عليها، بل الحكم على العموم، يكون هذا الذي نص عليه بخصوصه ليس مخصصاً، وإنما هو بعض أجزاء العام فيكون منصوصاً عليه مرة على سبيل الاستقلال، ومرة على سبيل الاندراج تحت اللفظ العام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>