للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (ما سبح رسول الله سبحة الضحى قط وإني لأسبحها)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: (ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم)].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ما سبح سبحة الضحى، قالت: [وإني لأسبحها] أي: أنها تصليها، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يعمل العمل ولكنه يتركه خشية أن يفعله الناس اقتداء به صلى الله عليه وسلم فيفرض عليهم، فيكون في ذلك مشقة عليهم، وذلك مثلما جاء في رمضان في قيام الليل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بهم بعض الليالي، ولكنه ترك الصلاة خشية أن تفرض عليهم، ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكملت الشريعة، ولم يأت فيها فرض قيام الليل الذي هو التراويح أعاد ذلك عمر رضي الله عنه وأتى به، وجمع الناس لصلاة التراويح، وذلك لأن الذي خشيه الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى؛ لأنه لا تشريع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

فكانت عائشة رضي الله عنها تخبر بأنه كان يحب أن يعمل الشيء ولكنه يتركه خشية أن يعمله الناس اتباعاً له واقتداء به فيفرض عليهم، ولعل السبب في ذلك أن صلاة الضحى تكون في وقت فيه تباعد بين الصلوات؛ لأن أطول وقت هو من بعد طلوع الشمس إلى الزوال، وهذه الفترة ليس فيها إلا صلاة الضحى، فكان هناك وقت طويل، فلعل الرسول صلى الله عليه وسلم خشي أن يفرض عليهم ذلك في هذا الوقت الذي فيه تباعد بين الوقتين، يعني: بخلاف الأوقات الأخرى المتقاربة كالوقت بين الظهر والعصر، فالوقت بينهما قريب، وفيه نوافل قبل العصر وبعد الظهر، وبعد العصر وقت قصير إلى المغرب، وقبل المغرب هناك نافلة، وبعدها نافلة، وبعد العشاء نافلة، وفيه قيام الليل، وبعد طلوع الفجر صلاة ركعتي الفجر، ولكن الوقت الطويل الذي ليس فيه شيء إلا صلاة الضحى هو هذا الذي يكون بعد طلوع الشمس إلى الزوال، فكان عليه الصلاة والسلام يفعل صلاة الضحى أحياناً كما حصل في عام الفتح، وكما كان يحصل منه صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر.

فـ عائشة تخبر رضي الله عنها بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يعمل الشيء، ولكنه يدعه خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم، وهذا من شفقته على أمته، وحرصه عليها، ومحبته لسلامتها من كل ما فيه عنت عليها ومشقة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد وصفه الله بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨] فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>