للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث: (العامل على الصدقة بالحق كالغازي)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في السعاية على الصدقة.

حدثنا محمد بن إبراهيم الأسباطي حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد رضي الله عنه عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: العامل على الصدقة بالحق كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته)].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في السعاية على الصدقة، الساعي على الصدقة هو العامل على الصدقة، فيكون من العاملين عليها الذين يذهبون إلى أصحاب المواشي أو إلى أصحاب الزروع فيأخذون الصدقة منهم، هذا يسمى سعاية على الصدقة، وقد جاء في القرآن الكريم ذكر مصارف الزكاة وأن منهم: {الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة:٦٠]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث العمال على الصدقة لأخذها وجبايتها، فهي من الأعمال التي جاء بها الإسلام، والعمال يذهبون إلى أصحاب المواشي على مياههم ويأخذون الصدقة منهم، ولا يكونون في جانب ويطلبون من أصحاب الأموال أن يسوقوا أغنامهم ومواشيهم إليهم، بل يذهبون لأخذها منهم على مياههم.

وفي هذا العمل أجر مع الاحتساب والنية الطيبة، فإنه يعمل على إبراء ذمم أصحاب الأموال الذين تؤخذ منهم الزكاة ثم توصل إلى الفقراء الذين هم محتاجون إليها، ولا شك أن هذا عمل فيه مصلحة وفائدة، وفيه أجر عظيم لمن فعل ذلك محتسباً.

أورد أبو داود حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (العامل على الصدقة بحق كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته)؛ لأن العامل على الصدقة يخرج في مهمة، ويأتي الناس على مياههم، ويأخذ الزكوات منهم، وكذلك يذهب إلى أصحاب الزروع لخرصها ثم بعد ذلك لجبايتها، فهو كالغازي في سبيل الله حتى يرجع، ومعناه: أن له أجراً وثواباً، وكل منهما خرج من بيته ليؤدي هذه المهمة العظيمة، الغازي ليجاهد في سبيل الله، وهذا ليأخذ الأموال من الذين تجب، عليهم وهم أصحاب الأموال، ثم يعمل على إيصالها إلى من يستحقها، فالحديث يدل على فضل هذا العمل.

وقوله: (العامل على الصدقة بالحق) يعني: يكون عمله وفقاً للشرع، وليس فيه هضم لحقوق الفقراء بأن يتسامح مع أصحاب الأموال، ولا أن يظلم أصحاب الأموال بأن يأخذ شيئاً فوق ما يجب عليهم، بل يأخذ الحق الواجب على أصحاب الأموال؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: (فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أجابوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم) يعني: لا تأخذ كرائم الأموال النفيسة العزيزة، فلا يأخذ خيار المال وإنما يأخذ من الوسط، ثم أخبر عليه الصلاة والسلام أن أخذ كرائم الأموال ظلم، وأن من أخذت منه قد يدعو عليه، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب فقال: (واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).

إذاً: قوله: (بالحق) يعني: أن يقوم بالواجب فلا يظلم الفقراء ولا يظلم الأغنياء، لا يظلم الأغنياء بأن يأخذ منهم أكثر مما هو واجب وفوق ما هو واجب، ولا يظلم الفقراء بأن يبخسهم حقهم فيأخذ لهم دون الواجب، وإنما يأخذ ما هو واجب فيبرئ ذمة الغني، ويوصل إلى الفقير حقه دون نقص.

<<  <  ج:
ص:  >  >>