[شرح حديث (يطوي الله السماوات يوم القيامة)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرد على الجهمية.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء أن أبا أسامة أخبرهم عن عمر بن حمزة قال: قال سالم: أخبرني عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين، ثم يأخذهن -قال ابن العلاء: بيده الأخرى- ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟).
أورد أبو داود هذه الترجمة: باب في الرد على الجهمية، وقد سبق قبل ذلك باب في الجهمية، والموضوع واحد، وقد جاء هذا الباب في نسخة صحيحة كما ذكر صاحب عون المعبود، وفي غالب النسخ لا يوجد هذا الباب، ولكن إذا حذف هذا الباب على ما هو في أكثر النسخ، فإن الأحاديث التي فيه لا تناسب باب الرؤية، بل هي تتعلق بالرد على الجهمية، قال: ولعل هذا من عمل النساخ، يعني التقديم والتأخير، وإلا فإن الترجمة مكررة مع السابقة، وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بالجهمية وبيان فساد مذهبهم، وكان أغلب ما جاء في ذلك من النصوص يتعلق بعلو الله عز وجل وفوقيته واستوائه على عرشه؛ فإن الجهمية ينكرون صفات الله عز وجل ويؤولونها، وهذان الحديثان اللذان أوردهما المصنف في هذا الباب يتعلقان بموضوع صفات الله عز وجل، وهما مثل ما تقدم في الباب الذي سبق، وهو باب في الجهمية.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى).
الطي ضد البسط، وفي قوله: (ثم يأخذهن بيده اليمنى) إثبات اليد لله عز وجل، وإثبات أن لله يدين، فهنا ذكر اليد اليمنى، ثم قال: (بيده الأخرى).
وقد جاء في القرآن الكريم أن لله يدين، قال تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥]، وقال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:٦٤]، فلله عز وجل يدان حقيقيتان، وهما من صفاته الذاتية القائمة بذاته سبحانه وتعالى.
والواجب هو الإيمان والتصديق بسائر الصفات على طريقة واحدة، وهي أن يثبت لله عز وجل كل ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تشبيه ومن غير تعطيل، بل هو إثبات مع التنزيه، على حد قول الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، فأثبت السمع والبصر في قوله: ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ))، ونفى المشابهة في قوله: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))، والله تعالى لا يشبه أحداً من خلقه، وصفاته ثابتة له كما يليق به سبحانه وتعالى، ولا يجوز نفيها عنه، ولا تحريفها ولا تعطيلها.
فالحديث فيه إثبات اليدين لله سبحانه وتعالى، والجهمية ينكرون ذلك، ويؤولون كل الصفات الثابتة.
قوله: [(ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)] في ذلك اليوم لا يكون هناك تجبر ولا تكبر، لأن التجبر والتكبر إنما يكونان في الدنيا، أما في ذلك اليوم فيكون الجميع خاضعين لله عز وجل، وقد سبق أن أشرت قريباً إلى أن قول الله عز وجل: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٤]، فيه نص على ملكه يوم الدين مع أنه مالك كل شيء، لأن ذلك اليوم هو اليوم الذي يخضع فيه الجميع لرب العالمين، فلا يوجد تكبر وتجبر، ولهذا قال هنا: (أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟) أي الذين كانوا كذلك في الدنيا.
قوله: [(ثم يطوي الأرضين، ويأخذهن بيده الأخرى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟) الله هو المالك لكل شيء، والسماوات والأرض كلها ملك الله، والدنيا والآخرة كلها ملك الله، والله تعالى هو الخالق وما سواه مخلوق، وهو المتصرف في كل شيء سبحانه وتعالى.