[شرح حديث ابن مسعود من طريق الحكم عن إبراهيم النخعي]
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب إذا صلى خمساً.
حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم المعنى قال حفص: حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قال: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلم)].
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب إذا صلى خمساً، أي: من زاد في الصلاة خامسة في الصلاة الرباعية سهواً ماذا عليه؟ وأورد حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: [(صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً)].
وهذا الحديث فيه أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم تابعوه؛ لأن الزمن زمن تشريع، فهم يخشون أن يكون زيد في الصلاة.
وأما بعد زمنه صلى الله عليه وسلم فقد استقرت الأحكام، وانتهى التشريع، فإذا قام الإمام إلى خامسة فإن المأمومين يسبحون ويجلسون ولا يتابعونه؛ لأن هذه زيادة، ولا تجوز الزيادة في الصلاة، والإمام إذا سها فإنه يسبح له حتى يرجع، وإذا استمر فإن على من تحقق أن الركعة زائدة أن يجلس وينتظر حتى يسلم الإمام فيسلم معه، ولا يجوز له أن يتابعه وهو يعلم أنها زائدة.
ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبروه سجد سجدتين بعد أن سلم وتكلم معهم، وهذا يدلنا على أن سجود السهو يكون بعد السلام فيما إذا كان عن زيادة.
وهذا الذي في حديث عبد الله بن مسعود في كون الرسول صلى الله عليه وسلم صلى خمساً وسجد بعد السلام مطابق لما جاء في حديث ذي اليدين، الذي فيه السجود بعد السلام؛ وذلك لأنه زيد في الصلاة تسليم في وسطها، فمن أجل ذلك صار سجود السهو بعد السلام.
وبعض أهل العلم يقول: إن سجود السهو كله يكون قبل السلام، وبعضهم يقول: كله يكون بعد السلام، والذي قال: يكون كله قبل السلام قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سجد بعد السلام؛ لأنه ذكر بعد السلام، فبعد أن ذكروه سجد للسهو؛ لأنه فات محله الذي هو قبل السلام.
لكن لو كان الأمر كما يقول من قال هذا من أهل العلم لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الواجب هو اتباعه عليه الصلاة والسلام، وقد سجد بعد السلام، فيسجد بعد السلام فيما كان بسبب الزيادة.
وعلى هذا فإن القول الصحيح في سجود السهو: أن ما جاء فيه تفصيل من أن السجود يكون فيه بعد السلام كالزيادة في الصلاة، فيكون السجود فيه بعد السلام، وما كان بسبب نقص في الصلاة مثل ترك التشهد الأول، فإنه يكون قبل السلام، كما سيأتي في حديث عبد الله بن بحينة رضي الله تعالى عنه.
وسيأتي بعض المواضع التي فيها تفصيل في غير الزيادة والنقصان، وذلك فيما إذا حصل شك وبنى على الأقل، فإنه يسجد قبل السلام، وإذا حصل شك في زيادة أو نقص وبنى على غالب ظنه وتحرى الصواب، فإنه يسجد بعد السلام، كما سيأتي من حديث عبد الله بن مسعود في بعض الطرق في هذا الباب الذي معنا.