للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث: (أن النبي بعث أبا جهم مصدقاً فلاجَّه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب العامل يصاب على يديه خطأً.

حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة رضي الله عنه مصدقاً، فلاجَّه رجل في صدقته، فضربه أبو جهم فشجه، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: القود يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لكم كذا وكذا، فلم يرضوا، فقال: لكم كذا وكذا، فلم يرضوا، فقال: لكم كذا وكذا، فرضوا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم، فقالوا: نعم، فخطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود، فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا، أرضيتم؟ قالوا: لا، فهم المهاجرون بهم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكفوا عنهم، فكفوا، ثم دعاهم فزادهم، فقال: أرضيتم، فقالوا: نعم، قال: إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم، قالوا: نعم، فخطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أرضيتم؟ قالوا: نعم)].

قوله: [باب العامل يصاب على يديه خطأ].

أي: أن العامل يصيب أحداً بيده هل يقتص منه أو لا يقتص منه؟ وقد أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً يقال له: أبو جهم على الصدقة، فتلاحى وإياه رجل، فضربه بعصا فشج رأسه، فجاء أولئك الذين شج رأس صاحبهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلبوا القود الذي هو القصاص، وأن يشج كما شج، فعرض عليهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم مالاً بدل القصاص، فعرض عليهم مالاً فامتنعوا، ثم عرض مالاً فامتنعوا، ثم في المرة الثالثة عرض عليهم مالاً فوافقوا ورضوا، فقال: إني خاطب الليلة ومخبر برضاكم، فقالوا: نعم، فلما خطب الناس وقال: إن هؤلاء الليثيين طلبوا أن يقتص من العامل وإني عرضت عليهم كذا فرضوا، أرضيتم؟ قالوا: لا، فكأنهم يريدون أن يحصلوا شيئاً من الزيادة، فهم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أنهم رضوا، وهم قالوا: ما رضينا، وأنكروا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر الرسول أصحابه أن يكفوا عنهم وألا يفعلوا بهم شيئاً، ثم إنه أعاد المفاوضة معهم وزادهم حتى رضوا، فقال: إني خاطب بذلك، فقالوا: نعم، فخطب وقالوا: رضينا.

ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا وأعلن ذلك على رءوس الأشهاد حتى لا تحدثهم أنفسهم بسوء بعد أن يأخذوا المال؛ لأن من الناس من يأخذ المال بدل القود ثم بعد ذلك يكون في نفسه شيء فيعتدي بعد أخذ المال عوضاً عن الجناية التي حصلت له، فلعل هذا هو الوجه الذي جعله يقول ذلك أمام الناس، حتى يعرفوا أن هذا أو انتشر وظهر، وأنه لو حصل منهم شيء فإن الناس يعلمون أنهم أقدموا على شيء هم مخطئون فيه، وأنه لو حصل من أحد منهم شيء فيكون القصاص؛ لأنهم قد أخذوا حقهم فتنازلوا عن القصاص.

وهذا يدل على أن من وجب عليه قود وأراد أن يتحول إلى غيره فإنه يؤخذ منه أكثر من الدية المقررة، بخلاف الشيء الثابت الذي لا يحتاج إلى مفاوضة، فإن الدية ثابتة ومقدارها معروف، ولكن إذا كان هناك قصاص سواء كان عن طريق القتل أو عن طريق قطع عضو أو شجة أو ما إلى ذلك، فإنه يعطى أكثر من الدية المقررة؛ لأن هذا بدل عن القتل أو بدل عن العقوبة التي تكون في الجسد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>