شرح حديث (من ولاه الله شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية والحجبة عنهم.
حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي حدثنا يحيى بن حمزة حدثني ابن أبي مريم أن القاسم بن مخيمرة أخبره أن أبا مريم الأزدي رضي الله عنه أخبره قال: دخلت على معاوية رضي الله عنه فقال: ما أنعمنا بك أبا فلان! وهي كلمة تقولها العرب، فقلت: حديثاً سمعته أخبرك به، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من ولاه الله عز وجل شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره).
قال: فجعل رجلاً على حوائج الناس].
أورد أبو داود هذه الترجمة: (باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية والحجبة عنهم) أي: أن عليه أن يقوم بما يعود عليهم بالخير، وتحصيل ما ينفعهم، ودفع ما يضرهم، وكذلك لا يحتجب عنهم، وإذا لم يتمكن من البروز لهم فعليه أن يقيم من يقوم مقامه في رعاية مصالحهم، وقضاء حوائجهم، وتدبير أمورهم.
أورد أبو داود حديث أبي مريم الأزدي رضي الله تعالى عنه أنه جاء إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فقال: ما أنعمنا بك! وهذا يحتمل أن يكون تعجباً يعني: ما أعظم النعمة التي حصلت لنا بمجيئك! فيكون بها إظهار السرور بهذه الزيارة وبهذا القدوم إليه.
ويحتمل أن يكون المعنى: أي نعمة حصلت لنا بمجيئك؟ يعني: أنها نعمة عظيمة، فقال أبو مريم: حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني أنه جاء من أجل أن يذكره ويعظه، ويسمعه حديثاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلق بالوالي، وأنه لا يحتجب عن الناس، وإنما يظهر للناس ويقضي حوائجهم، ويقوم بما يلزم لأمورهم، وإذا كان لا يتمكن لكثرة أشغاله ولعدم تمكنه من أن يكون مع الناس دائماً وأبداً فإنه ينيب من يثق به ممن يقوم بالنيابة عنه في قضاء مصالح الناس ورعاية مصالحهم.
قوله: [سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ولاه الله عز وجل شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم)].
الخلة والفقر والحاجة متقاربة في المعنى، ومعنى ذلك أنه لا يكون على اتصال بهم من أجل القيام بقضاء حوائجهم، وسد خلتهم، وما إلى ذلك مما هم بحاجة إليه، فإن الله تعالى يجازيه بأن يكون كذلك دون خلته وحاجته وفقره، فالجزاء من جنس العمل، فكما أنه يعامل الناس هذه المعاملة فالله تعالى يعاقبه بهذه العقوبة.
فـ معاوية رضي الله عنه وأرضاه تنبه وجعل من يقوم بذلك، فجعل رجلاً على حوائج الناس، يعني: يتولى هذه المهمة نيابة عنه.
وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من التناصح، ومن الحرص على إفادة الغير، وعلى مناصحة ولي الأمر.
ويدل أيضاً على مبادرة معاوية رضي الله عنه إلى تنفيذ هذا الشيء الذي ذكره به هذا الصحابي الذي نصحه وذكره بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل من يقوم مقامه في قضاء حوائج الناس.