قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الفقير يهدي للغني من الصدقة.
حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُتي بلحم، قال: ما هذا؟ قالوا: شيء تُصُدِّق به على بريرة، فقال: هو لها صدقة، ولنا هدية)].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب: الفقير يهدي للغني من الصدقة.
أي أن ذلك سائغ وجائز؛ لأن الصدقة إذا تُصدِّق بها على الفقير صارت ملكاً له يتصرف فيها كيف يشاء، فله أن يهديها، وله أن يدعو لأكلها، وإلى أكل طعامه الذي تصدق عليه به؛ فإن الشيء إذا تصدق به على الفقير فإنه يدخل في ملكه، وتصير ملكاً له، وإذا أكلها غني بعد ذلك، أو أكلها من لا تحل له الصدقة؛ فإن ذلك لا بأس به، ولا محذور فيه، وقد سبق أن مرت بعض التراجم التي تماثل هذه الترجمة، وهنا جاءت بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلو كانت الترجمة: باب الفقير يهدي إلى من لا تحل له الصدقة، لكان أولى.
وسبق أن مرت بعض التراجم التي فيها أن فقيراً يهدي إلى غني، وفي بعض الأحاديث أنه يدعوه، فسواء أهدى إليه، أو دعاه لحضور وليمة، أو إلى أن يأكل من طعامه؛ فكل ذلك لا بأس به، لكن هذه الترجمة كان الأولى أن تكون كما ذكرت آنفاً.
أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قُدِّم إليه لحم فقال:(ما هذا؟ قالوا: لحم تصدق به على بريرة، فقال عليه الصلاة والسلام: هو لها صدقة، ولنا هدية).
يعني: أنه وصل إليها عن طريق الصدقة فملكته، ثم وصل إلينا هدية، والنبي صلى الله عليه وسلم يأكل من الهدية ويقبلها، ولكنه لا يأخذ الصدقة صلى الله عليه وسلم، فوصول الصدقة إلى الفقير يصيرها ملكاً له، فيتصرف فيها كيف يشاء، فإذا شاء أن يهديها إلى من لا تحل له الصدقة فله ذلك، وإن شاء أن يدعو إليها من لا تحل له الصدقة فله ذلك، فقد خرجت عن كونها صدقة؛ لكونها صارت ملكاً للذي تُصدِّق بها عليه، فيتصرف فيها كيف شاء.
ويدل هذا الحديث أيضاً على سؤال الرجل عما يحصل في بيته مما يكون غريباً، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما هذا؟)، وذلك أنه رأى اللحم، وكان حصول اللحم ليس معتاداً لهم، فلما رآه عليه الصلاة والسلام سأل عنه، فأُخبر عن حقيقته، وأنه تُصدِّق به على بريرة، وأعطتهم بريرة إياه هدية، فقال عليه الصلاة والسلام:(هو لها صدقة، ولنا هدية).