للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث الإحسان في القتل والذبح]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة.

حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه قال: (خصلتان سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا -قال غير مسلم يقول: فأحسنوا القتلة- وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)].

أورد أبو داود [باب في النهي أن تصبر البهائم والرفق بالذبيحة] الصبر معناه أنها تحبس للذبح، إما أن تحبس وتجاع حتى تموت، أو أنها تمسك وتتخذ غرضاً يعني هدفاً بحيث يتراماها الناس؛ لأن هذا فيه تعذيب للحيوان وإيذاء له وهو لا يجوز، بل المطلوب أن يحصل الرفق والإحسان في الذبح بحيث تكون الآلة التي يذبح بها حادة، ولهذا بين أنه يحد الشفرة ويريح الذبيحة ولا يعذبها ويعرضها للعذاب.

أورد أبو داود حديث شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه في ذلك.

قوله: [(إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)]، الإحسان مطلوب في كل شيء، فمن قتل فليحسن القتل، ومن ذبح فليحسن الذبح، بمعنى أنه لا يعذب المقتول ولا يعذب الذبيحة، فالمقتول يراح في القتل، ولا يمثل به، ولا يعذب إلا إذا كان مستحقاً لذلك، كأن يكون الذي يقتل قتل بالتمثيل فإنه يمثل به، مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بالعرنيين، حيث سملهم وقطع أيديهم وأمر بإلقائهم في الرمضاء يستسقون فلا يسقون؛ لأنهم فعلوا ذلك بالراعي، والقتل قصاصاً يمكن أن يكون مثل الهيئة التي حصل بها القتل.

واليهودي الذي رض رأس امرأة بين حجرين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم برأسه أن يرض بين حجرين، والمعنى أن يقتل كما قتل، وكذلك جاء ما يدل على جواز القتلة الشديدة في مثل الزاني المحصن فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت؛ لأن هذا جاءت الشريعة به.

فيحسن القتل لمن يكون مستحقاً لذلك، أما من يكون مستحقاً لأن توقع به عقوبة شديدة جاءت الشريعة بتحديدها كالرجم في حق المحصن فإنه يفعل به ذلك، وهذا هو الحكم الذي شرعه الله عز وجل، ولا يأخذ الناس رأفة بالذي حصل منه ذلك الذنب الذي يستحق به هذه العقوبة، بل يطبق في حقه ما شرعه الله عز وجل.

وقوله: [(إن الله كتب الإحسان على كل شيء)]، هذا عام واسع، لكنه ذكر أمثلة لذلك فقال: [(فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة)] بمعنى أنه يراح الذي يقتل بحيث لا يعذب ولا يؤذى وهو حي، وكذلك لا يمثل به بعد الموت إلا من يستحق التمثيل كما عرفنا.

قوله: [(وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)]، ثم بين مما فيه إحسان الذبحة بأن يحد الإنسان الشفرة، وهي السكين التي يذبح بها، وذلك بأن يحدها بحديد، أو بحجر، أو بآلة تجعلها حادة، وتجعل الذبح بها مريحاً للذبيحة، ولا يذبحها بآلة كالة ثم يعذبها وهو يذبحها.

وأيضاً لا يذبحها أمام أختها؛ لأن هذا تعذيب.

وهذا الحديث من جوامع كلم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا أورد النووي رحمه الله هذا الحديث ضمن الأربعين النووية؛ لأن أحاديث الأربعين النووية هي في الغالب من جوامع كلم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد زاد ابن رجب الحنبلي رحمه الله عليها ثمانية أحاديث وكانت اثنين وأربعين، وإنما أطلق عليها أنها الأربعون تغليباً بحذف الكسر، وابن رجب زاد ثمانية أحاديث فصارت خمسين حديثاً، وشرحها بشرح نفيس سماه "جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم"، وهو كتاب آثار كما هو شأن الحافظ ابن رجب رحمة الله عليه، فإن شروحه أو أجزاءه الحديثية هي مظنة الآثار عن السلف؛ لأنه ينقل نقولاً كثيرة عن السلف في الآثار المتعلقة بموضوع الحديث الذي يشرحه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>