للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثني محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو يعارض حديث وائل بن حجر المتقدم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)]، وهذا الحديث اعتمد عليه بعض أهل العلم في قولهم بتقديم اليدين على الركبتين.

وقوله: [(فلا يبرك كما يبرك البعير)] فيه نهي عن مشابهة الحيوانات، فلا يبرك الإنسان كما يبرك البعير، وهنا سؤال، وهو: كيف يبرك البعير؟ في هذا الحديث أنه قال: [(وليضع يديه قبل ركبتيه)]، وجاء في بعض الأحاديث النهي عن البروك كما يبرك البعير، وليس فيها ذكر: (وليضع بيديه قبل ركبتيه)، فمن العلماء من قال: إن هذه الجملة الأخيرة فيها انقلاب، وبذلك يطابق حديث وائل بن حجر؛ لأنه لا يبرك كما يبرك البعير، فإذا قدم ركبتيه فإنه يتصور أن يبرك كما يبرك البعير، وذلك بالهيئة التي أشرت إليها آنفاً بأنه ينزل بقوة ويظهر صوت لركبتيه أثناء نزوله على الأرض، حيث ينزل بجسمه كله عليهما، فهذا فيه مشابهة حتى ولو قدم الركبتين، فالإنسان إذا فعل ذلك وأنزل ركبتيه بقوة وكان لهما صوت فإنه يصير مشابهاً للبعير، فقالوا: إن الحديث فيه انقلاب، ومعناه: وليضع ركبتيه قبل يديه، وبذلك يكون موافقاً لحديث وائل بن حجر.

وقال بعض أهل العلم: إنه لا قلب في ذلك، وإن المقصود أنه يضع يديه قبل ركبتيه حتى لا يكون مشابهاً للبعير؛ لأن ركبتي البعير في يديه، فهو يضع ركبتيه التي في يديه على الأرض، لكن إذا نظرنا إلى البعير عندما يبرك فإنه يقدم اليدين على الرجلين، فقال أصحاب هذا المذهب: إن هذا الحديث ليس فيه قلب، وإنه فيه مخالفة لهيئة البعير؛ لأن البعير يقدم ركبتيه اللتين في يديه، وقد جاء في حديث سراقة في قصة الهجرة أنه قال: (ساخت يدا فرسي بالأرض حتى بلغت الركبتين) فمعناه أن الركبتين في اليدين بالنسبة للحيوان، فقالوا: إن البعير يقدم ركبتيه، فإذا قدم المصلي يديه لم يشابه البعير، والقائلون بمقتضى حديث وائل بن حجر يقولون: إن البعير يقدم يديه قبل رجليه، والرجلان فيهما الركبتان، وإن كانت اليدان فيهما ركبتان إلا أن حديث وائل بن حجر يدل على تقديم الركبتين قبل اليدين، وفي ذلك مخالفة لفعل البعير الذي يقدم يديه قبل ركبتيه، أي: الركبتين اللتين في يديه قبل الركبتين اللتين في رجليه، وعلى هذا إما أن يكون حديث أبي هريرة قد وقع فيه القلب، والصواب: (وليضع ركبتيه قبل يديه)، ويكون بذلك مطابقاً لحديث وائل بن حجر، أو أنه لم يقع فيه شيء، فبعض الذين صححوا حديث وائل ضعفوا هذا الحديث من جهة عبد العزيز بن محمد الدراوردي أحد رجاله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>