شرح حديث من جعل للفرس سهماً واحداً
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن أسهم له سهماً.
حدثنا محمد بن عيسى ثنا مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد الأنصاري قال: سمعت أبي يعقوب بن مجمع يذكر عن عمه عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري عن عمه مجمع بن جارية الأنصاري، وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن قال: (شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر، فقال بعض الناس لبعض: ما للناس؟ قالوا: أوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فخرجنا مع الناس نوجف، فوجدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم واقفاً على راحلته عند كراع الغميم، فلما اجتمع عليه الناس قرأ عليهم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:١] فقال رجل: يارسول الله أفتح هو؟ قال: نعم والذي نفس محمد بيده إنه لفتح، فقسمت خيبر على أهل الحديبية، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ثمانية عشر سهماً، وكان الجيش ألفاً وخمسمائة فيهم ثلاثمائة فارس، فأعطى الفارس سهمين وأعطى الراجل سهماً).
قال أبو داود: حديث أبي معاوية أصح والعمل عليه، وأرى الوهم في حديث مجمع أنه قال: ثلاثمائة فارس، وكانوا مائتي فارس].
أورد أبو داود باباً فيمن أسهم للفرس سهماً واحداً؛ لأن الباب الأول في السهمين للفرس، وذكر فيه الأحاديث التي فيها أنه يكون له سهمان، وهي صحيحة، وأورد بعد ذلك هذه الترجمة فيمن أسهم له سهماً واحداً بدل أن يعطى اثنين.
وأورد فيه أبو داود حديث مجمع بن جارية رضي الله عنه، وأنهم كانوا في غزوة الحديبية، وأنه لما فتحت خيبر قسمت على أهل الحديبية، وكان الذين حضروا الحديبية هم الذين حضروا خيبر، وقسمت عليهم الغنائم، وفيه أنه أسهم للفارس سهمين، سهماً له وسهماً لفرسه، وهذا مخالف لما سبق في الأحاديث أن للفارس وفرسه ثلاثة أسهم سهماً له وسهمين لفرسه.
والفرس يذكر ويؤنث، ويعرف التذكير والتأنيث بعودة الضمائر على اللفظ وبالإشارة إليه.
قوله: [(يهزون الأباعر)] يحركونها، والمقصود السيوف.
قوله: [(فقال بعض الناس لبعض: ما للناس؟)].
يعني: ما للناس يهزون الأباعر من فرط سرعتهم.
قوله: [(قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أوحي إليه)] فكأنهم يريدون أن يحضروا ويسمعوا ذلك الوحي الذي أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(فخرجنا مع الناس نوجف)].
أي: نسرع، قال تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} [الحشر:٦]، قوله: [(فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً على راحلته عند كراع الغميم، فلما اجتمع عليه الناس قرأ عليهم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:١])].
أي: نزلت عليه هذه السورة.
قوله: [(وقيل: أفتح هو يا رسول الله؟ قال: نعم)] ولا شك أنه كان مقدمة الفتح، أعني فتح مكة؛ لأن هذا الصلح الذي قد تم حصل فيه الخير الكثير، وترتب على ذلك مصالح كبيرة للمسلمين، ثم بعد ذلك حصل الفتح بعد صلح الحديبية بسنتين، فقد كانت الحديبية في السادسة، وخيبر في السابعة والفتح في الثامنة.
قوله: [(فقسمت خيبر على أهل الحديبية، قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهماً، وكان الجيش ألفاً وخمسمائة، فيهم ثلاثمائة فارس، فأعطى الفارس سهمين وأعطى الراجل سهماً)].
أعطى الفارس سهمين؛ سهماً له وسهماً لفرسه، وأعطى الراجل سهماً، وهذا يخالف ما تقدم من أن الفرس له سهمان وليس سهماً واحداً.
قوله: [حديث أبي معاوية أصح والعمل عليه].
يعني: الحديث المتقدم الذي فيه أن للفارس ثلاثة أسهم؛ سهماً له وسهمين لفرسه، وليس كما جاء في حديث مجمع بن جارية أن للفارس سهمين؛ سهماً له وسهماً واحداً لفرسه.
قوله: [وأرى الوهم في حديث مجمع أنه قال: ثلاثمائة فارس وكانوا: مائتي فارس].
هو قال هنا: إنهم ثلاثمائة، قالوا: والصحيح أنهم كانوا مائتي فارس، وإذا كانوا مائتي فارس وهم على الصحيح ألف وأربعمائة، فإنهم يعطون أربعة عشر سهماً ويبقى بعد ذلك أربعة أسهم للخيول المائتين، فتكتمل ثمانية عشر سهماً، لكن على القول بأنهم ثلاثمائة فارس يصير العدد ألفاً ومائتين مقابل اثني عشر سهماً، وبقيت من الثمانية عشر سهماً ستة أسهم لثلاثمائة فارس وثلاثمائة فرس، للفرس سهم وللفارس سهم.