للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث (أكثروا من النعال فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الانتعال.

حدثنا محمد بن الصباح البزاز، حدثنا ابن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: (أكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل)].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب في الانتعال] أي: في لبس النعال.

وأورد حديث جابر رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال: (أكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل).

فقوله صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من النعال) يستفاد منه أن الإنسان خاصة المسافر -كما جاء في الحديث أنه في السفر- يجعل معه نعالاً من باب الاحتياط، إذ إنه قال: (أكثروا من النعال)، ومعنى ذلك أن الإنسان يأخذ حاجته من النعال في سفره، سواء الذي يلبسه أو الذي يحمله معه على سبيل الاحتياط.

وفي هذا الزمان مع سهولة المواصلات ووجود النعال في كل مكان يحل فيه الإنسان، فيمكن أن يحصل ذلك عن طريق الشراء، إذا لم يحمل معه زيادة على ما يستعمله؛ وذلك لأنه إذا حصل أن فسدت نعلاه أو انقطعتا، فإنه يكون عنده شيء يقوم مقام ذلك؛ لأن الإنسان إذا مشى بغير نعال، فإنه يعرض رجليه للضرر بأن يطأ على شوك، أو على زجاج، أو يطأ على شيء يلحق به ضرراً.

ثم قال عليه الصلاة والسلام: (فإن الرجل لا يزال راكباً ما انتعل)؛ لأن الانتعال مثل الركوب، ومعلوم أن الإنسان الراكب تسلم رجلاه من الضرر الذي يكون في الأرض؛ لأنه راكب ورجلاه لا تمسان الأرض؛ فكذلك إذا كان منتعلاً، فإنه بمثابة الراكب؛ لأن هناك شيئاً يحول بينه وبين الأرض وهو النعال، فيسلم مما فيها من ضرر.

وفي هذا الإشارة إلى الأخذ بالأسباب، وأن فعل الأسباب مأمور به ومطلوب، والأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل كما هو معلوم، ومعلوم أيضاً أن اتخاذ النعال من أجل الوقاية مما يحصل في الأرض من ضرر إما من شوك أو من زجاج أو من حر رمضاء إذا كان في شدة الصيف أو غير ذلك من الأمور التي قد تحصل للإنسان ضرر بسببها، فيكون في ذلك وقاية لرجليه.

والتقوى في اللغة -كما يقول العلماء- أن يجعل الإنسان بينه وبين الشيء الذي يخافه وقاية تقيه منه، وذلك مثل استعمال النعال للوقاية من الأشياء الضارة التي تكون على الأرض، فيتخذ النعال لتقيه ذلك، وتحول بينه وبين ذلك الشيء الذي يضره.

فالحديث دليل على الأخذ بالأسباب وأن الأخذ بها لا ينافي التوكل، وفيه أن الإنسان يأخذ في سفره ما يحتاج إليه من نعال وغيرها احتياطاً، لأن السفر مظنة أن يضطر إليها خلال الطريق.

وكذلك أيضاً فيه بيان فوائد النعال وأن المنتعل كالراكب، وأن الراكب يأمن من الأضرار التي تكون في الأرض كونه راكباً على الدابة؛ وكذلك الذي يكون منتعلاً قد اتخذ ما يقيه من الضرر الذي يكون في الأرض.

<<  <  ج:
ص:  >  >>