للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث سؤال خباب عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر أنه قال: قلنا لـ خباب رضي الله عنه: (هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم.

قلنا: بم كنتم تعرفون ذاك؟ قال: باضطراب لحيته)].

أورد أبو داود رحمه الله حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه أنه سئل: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قيل: بم كنتم تعرفون ذلك مع أنّ الصلاة سرّية؟ قال: باضطراب لحيته، وهذا دليل آخر يدل على القراءة في الصلاة السرية.

إذاً: مرّ بنا دليلان على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلاة السرية، الدليل الأول: أنه كان يسمعهم الآية أحياناً؛ حتى يعرفوا السورة التي يقرأ فيها، وهذا كما مرّ سابقاً.

والدليل الثاني هو هذا الحديث، وهو أنهم كانوا يستدلون على ذلك باضطراب لحيته، فهم يصلون وراءه صلى الله عليه وسلم الصلاة السرية كالظهر والعصر فيعلمون أنه يقرأ باضطراب لحيته، فبسبب تحريك شفتيه في القراءة تضطرب اللحية يميناً وشمالاً، فيظهر شعر لحيته ويبدو من الجانبين فيرونه يتحرك فيعلمون أنه يقرأ، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم- من العناية والاهتمام بتتبع أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة الأحكام الشرعية، ومعرفة السنن التي جاءت عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأنهم ينظرون إليه وهو يصلي بهم الصلاة السرية، فيفهمون من تحرك لحيته واضطرابها أنه يقرأ.

فهذا فيه دليل على القراءة في الصلاة السرية، ويدلنا -أيضاً- على أن القراءة لا بد فيها من تحريك الشفتين، وأن الإنسان لا يكفي أن يقرأ وهو مطبق شفتيه؛ لأن الاستذكار في القلب لا يقال له قراءة، وإنما تكون القراءة بتحريك اللسان والشفتين، ولهذا قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة:١٦]، فعندما كان جبريل يتلو عليه القرآن، ويلقي عليه الوحي كان يحرك لسانه، ويقرأ مع قراءة جبريل، فنهي عن أن يحرك لسانه، ووعد بأن يحفظ له القرآن، وأن يمكن من حفظه، وأنه لا يفوته منه شيء، فقال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} [القيامة:١٨] أي: قرأه جبريل، (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة:١٨] أي: استمع، وبعد فراغه فإنه يكون محفوظاً في صدره صلى الله عليه وسلم، فاضطراب اللحية وتحريك الشفتين يدلنا على أن القراءة إنما تكون كذلك، ولا تكون مع إطباق الشفتين، وكون الإنسان يستذكر القرآن استذكاراً، ويتأمله تأملاً دون أن يقرأ لا يقال له قراءة.

والحديث يدل -أيضاً- على أنه صلى الله عليه وسلم كان صاحب لحية، وأن لحيته كانت كثة، وذلك أنهم كانوا يرون الشعر من جوانبه وهم من ورائه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>