[شرح حديث (أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا إسرائيل حدثنا عثمان بن المغيرة عن إياس بن أبي رملة الشامي أنه قال:(شهدت معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وهو يسأل زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: من شاء أن يصلي فليصل)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي:[باب: إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد] يعني: إذا وافق عيد الأضحى أو عيد الفطر يوم الجمعة فما الحكم؟ هل يلزم كل مسلم أن يصلي العيد وأن يصلي الجمعة، أو أنه إذا حضر العيد فإنه يجزئه عن الجمعة، بمعنى أنه لا يلزمه حضورها ولكنه يصلي ظهراً حيث لم يحضر الجمعة؟ والجواب أن من صلى العيد فإنه مرخص له أن يتخلف عن الجمعة، ولا يلزمه أن يحضر العيد ويحضر الجمعة، بل إذا حضر العيد فإنه مرخص له أن يتخلف عن الجمعة، فأهل الأطراف وأهل العوالي وأهل الأماكن البعيدة الذين يأتون من خارج البلد إذا قدموا للعيد في ذلك اليوم فلهم أن يرجعوا إلى أماكنهم ولا يصلون الجمعة ذلك اليوم، ولا يلزمهم أن يعودوا مرة ثانية إلى الجمعة، ولا يلزمهم أن يبقوا من أجل أن يصلوا الجمعة إذا جاءوا لصلاة العيد؛ لأن الاجتماع الأعظم الكبير الذي اعتادوه في كل يوم جمعة قد حصل في صلاة العيد، فلهذا جاء الترخيص لهم بأن يتخلفوا، ولكنهم إذا تخلفوا لا بد من أن يصلوا الظهر؛ لأن فرض الظهر لا بد منه، فهو لا يسقط، والله تعالى فرض خمس صلوات في كل يوم وليلة، سواءٌ أكان يوم عيد وافق جمعة أم غير ذلك، فلا بد من أداء الصلوات الخمس في كل يوم وليلة، ولكن إذا حصل اجتماع يوم عيد مع الجمعة فإنه يرخص في التخلف عن الجمعة؛ لأن الاجتماع الذي كان مطلوباً في الجمعة قد وجد في صلاة العيد في ذلك اليوم، ففي الحديث دليل على أن من حضر العيد يرخص له في ترك الجمعة، وأن من أراد أن يصلي الجمعة فلا شك في أن ذلك خير له وأفضل وأولى، ولكن من حضر العيد فليس ملزماً بالجمعة، وليس آثماً لو تخلف عن الجمعة، لكن لا بد من صلاة الظهر.
وفيه إطلاق العيد على الجمعة، وأن يوم الجمعة يقال له: يوم عيد، فهو عيد الأسبوع؛ لأن الحديث فيه [أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟] فقال: نعم.
يعني: اجتمع في يوم واحد الجمعة والعيد، فهذا يدلنا على إطلاق لفظ العيد على الجمعة وأنه يقال له: يوم عيد، وهو عيد المسلمين الأسبوعي، ولهذا جاء النهي عن إفراده بالصوم، ولكن إذا صيم ومعه غيره فلا بأس بذلك، وأما إذا صيم وحده فإن ذلك لا يجوز، والنبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على أم المؤمنين جويرية وقد صامت يوم الجمعة قال لها:(أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتصومين غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري) فدل هذا على أنه لا يجوز إفراده بالصوم ولكن يصام معه يوم قبله أو يوم بعده أو قبله وبعده.
ففيه إطلاق العيد على الجمعة، وقد جاء ذلك في بعض الآثار كما في خطبة أمير المؤمنين عثمان بن عفان التي أوردها البخاري في صحيحه حيث خطب الناس وقال لهم:(إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان).