[شرح حديث أبي هريرة: (كان النبي إذا أتى الخلاء أتيته بماء)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى.
حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا أسود بن عامر حدثنا شريك وهذا لفظه (ح) وحدثنا محمد بن عبد الله -يعني: المخرمي - حدثنا وكيع عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن المغيرة عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور أو ركوة فاستنجى).
قال أبو داود: في حديث وكيع: (ثم مسح يده على الأرض ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ).
قال أبو داود: وحديث الأسود بن عامر أتم].
ذكر المغيرة في السند زيادة غير صحيحة، وإنما إبراهيم يروي عن أبي زرعة.
وهنا أورد أبو داود رحمه الله باب الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى، وقد ذكرت مراراً وتكراراً أن ذكر الرجل لا مفهوم له؛ لأن الأحكام هي للرجال والنساء، لكن لكون الغالب أن الخطاب والكلام إنما هو مع الرجال يأتي التعبير بالرجل، وليس له مفهوم أن المرأة لا تكون كذلك، وكذلك يأتي في أكثر الأحاديث ذكر الرجل أو الرجال والأحكام هي عامة للرجال والنساء، وذكر الرجل أو الرجال إنما هو لكون الخطاب معهم في الغالب، هذا هو السر والسبب في التنصيص على الرجال مع أن الحكم يعم الرجال والنساء ولا يختص بالرجال دون النساء، والمقصود: أنه عند الاستنجاء إذا كان في اليد أثر أو رائحة فإنها تدلك على الأرض حتى تزول تلك الرائحة أو ذلك الأثر الذي فيها من أثر النجاسة، ويمكن أنه في بعض الأحيان قد يكون الماء قليلاً فيحتاج معه إلى دلك، وأما إذا كان الماء كثيراً فإنه يتابع الإزالة بالماء حتى يزول الأثر عن اليد وعن الجسد وعن المكان الذي فيه النجاسة حتى يزال منه أثر النجاسة، هذا هو المقصود بالدلك، فإذا كان هناك حاجة إلى دلك اليد فإنها تدلك بالأرض وبالتراب.
أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد جاء من طريقين: من طريق الأسود بن عامر عن شريك، ومن طريق وكيع عن شريك، وذكر أبو داود رحمه الله الحديث على لفظ الأسود بن عامر عن شريك حيث قال: وهذا لفظه.
يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور أو ركوة فاستنجى) والتور والركوة وعاءان، يعني: إما هذا أو هذا، ويحمل فيهما الماء ويوضع فيهما الماء.
وقوله: (فاستنجى) هذا يدل على ما دل عليه الباب الذي قبله من ذكر الاستنجاء بالماء؛ لأنه ذهب بماء في تور أو ركوة فاستنجى صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: وفي حديث وكيع الذي هو الطريق الثاني: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دلك يده بالأرض، ثم أتاه بماء آخر فتوضأ)، وفيه تنصيص على الدلك الذي هو محل الشاهد للترجمة.
وفيه أيضاً أن الإناء الذي توضأ منه غير الإناء الذي استنجى منه، ولعل السبب في ذلك: أن الماء لم يكن كافياً فانتهى، أو أنه ما بقي منه إلا القليل الذي لا يكفي للوضوء فاتاه بماء آخر وتوضأ به، وهو لا يدل على أن الماء الذي يتوضأ به غير الماء الذي يستنجى به، فلا مانع من أن الإنسان يكون معه ماء في وعاء يستنجي منه ثم يتوضأ بباقيه، لا بأس بذلك ولا مانع منه، والذي ورد في الحديث لعل السبب فيه أنه إما انتهى الماء الأول الذي بالتور أو الركوة أو أنه بقي منه قليل لا يكفي، فأتاه أبو هريرة بإناء آخر فيه ماء فتوضأ به صلى الله عليه وسلم.
وقوله: [قال أبو داود: وحديث الأسود بن عامر أتم] الأسود بن عامر هو الأول، وحديث وكيع فيه ذكر الدلك وفيه ذكر الوضوء، وفي (عون المعبود) فسر ذلك وقال: إن حديث الأسود بن عامر أتم وحديث وكيع أنقص، وذكر أن حديث وكيع روي بصيغة أخصر فيها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معه ماء فجلس وتوضأ).