للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث قصة قتل محلم الليثي لرجل من أشجع]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا محمد -يعني ابن إسحاق - فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: سمعت زياد بن ضميرة الضمري (ح) وحدثنا وهب بن بيان وأحمد بن سعيد الهمداني قالا: حدثنا ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن محمد بن جعفر أنه سمع زياد بن سعد بن ضميرة السلمي -وهذا حديث وهب وهو أتم- يحدث عروة بن الزبير عن أبيه، قال موسى: وجده، وكانا شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حنيناً، ثم رجعنا إلى حديث وهب: (أن محلم بن جثامة الليثي قتل رجلاً من أشجع في الإسلام، وذلك أول غير قضى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتكلم عيينة في قتل الأشجعي، لأنه من غطفان، وتكلم الأقرع بن حابس دون محلم؛ لأنه من خندف، فارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عيينة! ألا تقبل الغير؟ فقال عيينة: لا والله حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي، قال: ثم ارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عيينة! ألا تقبل الغير؟ فقال عيينة مثل ذلك أيضاً، إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له: مكيتل عليه شكة وفي يده درقة، فقال: يا رسول الله إني لم أجد لما فعل هذا في غرة الإسلام مثلاً إلا غنماً وردت فرمي أولها فنفر آخرها، اسنن اليوم وغير غداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خمسون في فورنا هذا، وخمسون إذا رجعنا إلى المدينة، وذلك في بعض أسفاره، ومحلم رجل طويل آدم وهو في طرف الناس، فلم يزالوا حتى تخلص فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيناه تدمعان، فقال: يا رسول الله! إني قد فعلت الذي بلغك وإني أتوب إلى الله تبارك وتعالى، فاستغفر الله عز وجل لي يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام؟ اللهم لا تغفر لـ محلم، بصوت عال، زاد أبو سلمة: فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ردائه، قال ابن إسحاق: فزعم قومه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغفر له بعد ذلك).

قال أبو داود: قال النضر بن شميل: الغير: الدية].

أورد أبو داود حديث سعد بن ضميرة رضي الله عنه: [(أن محلم بن جثامة قتل رجلاً من أشجع في الإسلام)].

أي: في أول الإسلام.

قوله: [(وذلك أول غير قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم)].

يعني: أول دية قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: [(فتكلم عيينة في قتل الأشجعي؛ لأنه من غطفان، وتكلم الأقرع بن حابس دون محلم؛ لأنه من خندف)].

يعني: واحد تكلم في القتيل، والثاني تكلم في القاتل.

قوله: [(فارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عيينة! ألا تقبل الغير؟)].

عيينة هو الذي يحاج عن الأشجعي.

قوله: [فقال (عيينة: لا والله حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي)].

الحرب قيل: هو نهب المال، وقيل: إن المقصود بها الحرب بالسكون، أي: لا بد أن يصير هناك إخافة وقتل مثلما حصل القتل والإخافة وفي عون المعبود: الحرب: بفتح الحاء وسكون الراء المهملتين، أي: المقاتل.

قوله: [(قال: ثم ارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة واللغط، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عيينة! ألا تقبل الغير؟ فقال عيينة مثل ذلك أيضاً، إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له مكيتل عليه شكة وفي يده درقة)].

الشكة: السلاح، والدرقة: هي الترس من الجلد ليس بها خشب ولا عصب.

قوله: [(فقال: يا رسول الله! إني لم أجد لما فعل هذا في غرة الإسلام مثلاً إلا غنماً وردت فرمي أولها فنفر آخرها)].

يعني: لا أجد لهذا مثلاً إلا الغنم التي رمي أولها فحصل النفار في آخرها.

ومكيتل ليثي من قبيلة محلم فهو يقصد بهذا المثل عيينة؛ لأنه مقابله وهو غطفاني.

قوله: [(اسنن اليوم وغير غداً)].

هذا مثل ضربه لترك القتل، كما أن الأول ضربه للقتل؛ ولذلك ترك العطف.

ومعناه: قرر حكمك اليوم وغيره غداً؛ لأنك إذا تركت القصاص اليوم في أول ما شرع واكتفيت بالدية ثم أجريت القصاص على أحد فإنه يصير ذلك كهذا المثل.

وقال ابن الأثير في النهاية: اسنن اليوم وغير غداً، أي: اعمل بسنتك التي سننتها في القصاص، ثم بعد ذلك إذا شئت أن تغير فغير ما سننت، وقيل: غير من أخذ الغير وهي الدية.

وقال الخطابي: هذا مثل يقول: إن لم تقتص منه اليوم لم تثبت سنتك غداً، ولم ينفذ حكمك بعدك، وإن لم تفعل ذلك وجد القائل سبيلاً إلى أن يقول مثل هذا القول، أعني قوله: اسنن اليوم وغير غداً، فتتغير لذلك سنتك وتتبدل أحكامها.

وقال السيوطي في مرقاة الصعود: إن مثل محلم في قتله الرجل وطلبه ألا يقتص منه وتؤخذ منه الدية والوقت أول الإسلام وصدره كمثل هذه الغنم النافرة.

يعني: إن جرى الأمر مع أولياء هذا القتيل على ما يريد محلم ثبط الناس عن الدخول في الإسلام لمعرفتهم أن القود يغير بالدية والعوض، خصوصاً وهم حراص على درك الأوتار وفيهم الأنفة من قبول الديات، ثم حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإقادة منه بقوله: اسنن اليوم وغير غداً، يريد إن لم تقتص منه غيرت سنتك، ولكنه أخرج الكلام على الوجه الذي يهيج المخاطب، ويحثه على الإقدام والجرأة على المطلوب منه.

قوله: [(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمسون في فورنا هذا وخمسون إذا رجعنا إلى المدينة، وذلك في بعض أسفاره)].

وهذه هي الدية تسلم خمسون، وتؤجل خمسون إلى الرجوع إلى المدينة، وكان هذا في سفر.

قوله: [(ومحلم رجل طويل آدم وهو في طرف الناس)].

يعني فيه سمرة.

قوله: [(فلم يزالوا حتى تخلص فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيناه تدمعان، فقال: يا رسول الله! إني قد فعلت الذي بلغك وإني أتوب إلى الله تبارك وتعالى فاستغفر الله عز وجل لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أقتلته بسلاحك في غرة الإسلام؟ اللهم لا تغفر لـ محلم بصوت عال، زاد أبو سلمة: فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ردائه، قال ابن إسحاق: فزعم قومه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغفر له بعد ذلك)].

وهذا الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده رجلاً مقبولاً، والمقبول ليس بحجة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>