[شرح حديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الزكاة.
حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستخلف أبو بكر رضي الله عنه بعده وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لـ أبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله عز وجل) فقال أبو بكر: والله! لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله! لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: والله! ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال.
قال: فعرفت أنه الحق].
الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وكثيراً ما يقرن الله عز وجل في القرآن بين الصلاة والزكاة، والزكاة في اللغة مأخوذة من النماء، والزكاة الشرعية موجود فيها هذا المعنى؛ لأنها سبب في نماء المال وكثرته، وقد جاء في الحديث: (ما نقص مال من صدقة، بل تزده، بل تزده، بل تزده)، وفي الاصطلاح هي: حق معلوم في أموال الأغنياء يصرف في جهات مخصوصة.
وهذه الجهات المخصوصة هي التي ذكرها الله عز وجل في آية مصارف الزكاة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابن السَّبِيلِ} [التوبة:٦٠]، ويأتي في بعض النصوص ذكر الفقراء خاصة كما في حديث معاذ: (فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) والفقراء صنف من أصناف الزكاة الثمانية الذين جاء ذكرهم في آية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة:٦٠].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قتال أبي بكر رضي الله عنه للمرتدين ومانعي الزكاة، وقد ذكر الخطابي رحمه الله أن الذين قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه صنفان: صنف أهل كفر وردة، وصنف أهل بغي، والصنف الأول نوعان: من ادعى النبوة وتوبع على ذلك مثل مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وغيرهما ممن ادعى النبوة وتبعهم من تبعهم على دعواهم الباطلة.
والنوع الآخر: الذين تركوا الدين، وخرجوا من الدين، وكفروا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من غير دعوى نبوة، ومن غير اتباع لمتنبئ، والكل مرتدون.
أما الصنف الآخر فقال الخطابي: هم مانعو الزكاة، وهم أهل بغي، وذلك لأنهم متأولون، حيث فهموا أن الزكاة إنما تعطى للنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره؛ لقول الله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:١٠٣] قالوا: هذه الأمور التي تترتب على الأخذ إنما تنطبق على النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الذي يصلي عليهم، والتطهر والتزكيه إنما تكون لمن دفع الزكاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأصحابه.
وهذا قول باطل، وفهم خاطئ، فإن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب للأمة ما لم يأت دليل يدل على تخصيص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم، مثل قوله تعالى في الواهبة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:٥٠]، فإن هذا نص يدل على خصوصية هذا الحكم بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يتعداه إلى غيره.
أما ما يتعلق بدفع الزكاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن الزكاة حق المال، وهي واجبة، وحكمها مستمر وليس خاصاً بزمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال الخطابي: من جحد وجوب الزكاة في غير وقت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يكون كافراً بالإجماع قال: وإنما الإشكال في الذين فهموا هذا الفهم الخاطئ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فاعتبروا أهل بغي، وقد قاتلهم أبو بكر على أنهم أهل بغي، ومعلوم أن من امتنع من أمر من أمور الإسلام فإنه يقاتل عليه وإن لم يخرج بذلك من الإسلام.
فـ الخطابي رحمه الله اعتبر مانعي الزكاة الذين فهموا هذا الفهم الخاطئ متأولين وأنهم قوتلوا على بغيهم، ومن المعلوم أن البغاة يقاتلون إذا حصل منهم القتال أو امتنعوا من شعيرة من شعائر الإسلام، فإنهم يقاتلون على ذلك حتى يحصل منهم ذلك الشيء الذي امتنعوا منه.
والامتناع من دفع الزكاة له حالتان: حالة جحد وحالة بخل وتهاون، فحالة الجحد كفر، وكل ما علم في الإسلام ضرورة إيجابه أو تحريمه فإن اعتقاد عدم وجوبه كفر، وإذا كان من المنهيات فاعتقاد حله يكون كفراً وردة عن الإسلام.