للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث (إياكم والشح)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الشح.

حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن أبي كثير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إياكم والشح؛ فإنما هلك من كان قبلكم بالشح: أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا)].

أورد أبو داود هذه الترجمة: (باب في الشح) وذلك أنه لما ذكر صلة الرحم، وأنها تكون بوجوه الصلة ومنها ومنها البذل والإعطاء، عقب ذلك بالترجمة في الشح الذي هو ضد الإعطاء، وضد البذل، وضد الإحسان، فهو المنع وعدم الإحسان، فناسب أن يذكر الشح بعد ذكر الصلة.

والشح: هو شدة البخل، وقيل: إن الشح خاص، والبخل عام، وقيل: العكس، وغالباً ما يضاف البخل إلى عدم البذل، والشح إلى ما يقوم بالنفس من عدم الرغبة في الجود والإحسان؛ ولهذا يأتي في القرآن: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} [التغابن:١٦]، فاليد تابعة للنفس، فإذا كانت النفس غنية سهل بعد ذلك بذل اليد، وإذا كانت اليد غنية ولكن النفس ليست غنية بل فيها الشح والبخل فإن اليد تكون تابعة لها، فلا يحصل الجود من اليد إلا إذا وجد السخاء في النفس، وكانت النفس راغبة في الإحسان.

وقد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وقال: (إياكم والشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم)، وقوله: (إياكم والشح) تحذير من الشح.

قوله: (فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا)، وهذا يوضح أن البخل -وهو عدم البذل- يكون نتيجة لما قام في القلب والنفس، ولهذا قال: (أمرهم) يعني: أنّ النفس الأمارة بالسوء التي فيها الشح هي التي أمرت بالبخل؛ فحصل البخل، فصار البخل نتيجة للشح.

وقوله: (أمرهم بالبخل فبخلوا) أي: أمرهم الشح بالبخل.

وقوله: (وأمرهم بالقطيعة فقطعوا) أي: أمرهم بقطيعة الأرحام فقطعوها.

وقوله: (وأمرهم بالفجور ففجروا) الفجور يفسر بالكذب، ويفسر بالميل عن الصواب، والميل عن الحق، وكل هذا نتيجة للشح الذي يقوم في النفوس؛ ولهذا يقول الله عز وجل: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن:١٦] وهذا ذكره الله عز وجل في آخر الآية التي ذكر فيها سخاء الأنصار، وجودهم، وبرهم، وإحسانهم، قال الله عز وجل: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ)) يعني: من قبل المهاجرين {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:٩] يعني: أنهم يبذلون، ثم قال: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:٩].

<<  <  ج:
ص:  >  >>