[شرح حديث زيد بن خالد:(أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا القعنبي عن مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أنه قال: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله وبرحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب)].
أورد أبو داود حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى لهم -أي: صلى بهم- صلاة الفجر في الحديبية على إثر سماء كانت من الليل -يعني: على إثر مطر حصل في الليل-، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب)، أي: أنه نسب الفضل إلى الله، وأقر أن النعمة من الله، قال الله:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}[إبراهيم:٣٤]، وقال:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ}[النحل:٥٣]، فمن قال ذلك فقد أتى بالكلام الصحيح الصواب الحسن؛ لأنه نسب الفضل إلى المتفضل، ونسب النعمة إلى المنعم سبحانه وتعالى.
قوله:(وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب) وقول: مطرنا بنوء كذا وكذا فيه تفصيل، فإن أريد بالنوء -وهو النجم- أنه مؤثر، وأن ما يحصل من مطر فهو من تأثير النجوم؛ فهذا كفر بالله عز وجل، وأما إذا أريد بذلك أن الله تعالى قدر وقضى وجرت العادة بأن الأمطار تكون في الأوقات الفلانية، وأنها تكثر في وقت كذا، وتقل في وقت كذا، أو أنها إذا جاءت في الشتاء والربيع فلها نفع في الزراعة، وأما إذا جاءت في الصيف فبسبب شدة الحرارة لا يكون لها الفائدة الكبيرة في نبت النبات وكثرة المراعي، فهذا سائغ لا بأس به، ولكن كون الإنسان ينسب ذلك إلى تلك الأوقات، دون أن يضيف ذلك إلى الله عز وجل يعتبر نقصاً، ولكن من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته في الوقت الفلاني، أو في الزمن الفلاني، أو أن الله تعالى تفضل علينا وأنعم وجاد بالأمطار في هذا الموسم، أو في تلك المواسم، فهذا لا بأس به.