للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث: (لو كان مطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأسارى بدر: (لو كان مطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له)].

أورد أبو داود حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: [(لو كان مطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى -أي: الأسرى من الكفار فشفع فيهم- لأطلقتهم له)].

يعني: أطلقت سراحهم من أجله ومن أجل شفاعته، وهذا يدل على المن من غير فداء، ويدل على ما ترجم به المصنف من المن بغير فداء؛ لأنه قال: [(لو كان مطعم بن عدي حياً وكلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له)] يعني: وقبلت شفاعته فيهم.

وقوله: [(لو كان مطعم بن عدي حياً)] ليس فيه اعتراض على القدر، بل معناه: لو أنه حصل كذا وكذا لكان كذا وكذا.

يعني أن هذا الشخص لو كان حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لقبلت شفاعته.

فليس فيه شيء يتعلق بالاعتراض على القدر أو ما إلى ذلك.

وإنما الاعتراض على القدر هو كقول الكافرين كما حكى الله تعالى عنهم: {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} [آل عمران:١٥٦] فهذا هو الذي فيه اعتراض على القدر.

وأما ما جاء في الحديث هنا فليس هو من هذا القبيل، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة).

أي: لو كان الذي سبق مني كله أمامي لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة.

وهذا ليس تمنياً، وإنما إخبار عن أنه لو كان حصل كذا لكان كذا وكذا.

والمطعم بن عدي هو والد جبير بن مطعم، وكان هو الذي أمن النبي صلى الله عليه وسلم وأجاره لما قدم من الطائف، وأنزله في جواره ومنع الكفار من إيذائه، فمن أجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقالة في حقه لأنه قد أحسن إليه، فهو سيقبل شفاعته لو شفع فيهم، وهذا فيه تنويه بالعمل الذي قام به المطعم بن عدي، وهو الذي يقول فيه الشاعر: ولو أن مجداً أخلد الدهر واحداً من الناس أبقى مجده الدهر مطعماً أي: لو كان أحد يبقى بسبب العمل المجيد الذي حصل منه لبقي مطعم بن عدي الذي أمن الرسول صلى الله عليه وسلم وحماه من الكفار عند قدومه من الطائف.

ويذكر هذا البيت النحويون في شواهد النحو في عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، حيث لم يسبق للضمير مرجع، وإنما عاد على متأخر لفظاً ورتبة، والأصل أن الضمير يعود على متقدم.

وهنا جاء الضمير عائداً على متأخر لفظاً ورتبة، حيث قال: أبقى مجده الدهر مطعماً أي: أبقى مجد مطعم مطعماً.

فجاء الضمير متقدماً على مرجعه، بخلاف الأصل وهو أن الضمير يعود على متقدم، وهنا عاد على متأخر لفظاً ورتبة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>