[شرح حديث: (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كراهية منع العلم.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا علي بن الحكم عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة)].
أورد أبو داود هذه الترجمة بعنوان: باب في كراهية منع العلم، يعني: عدم بذله عند الحاجة إليه، فالشخص إذا حصلت له واقعة وأراد أن يعرف حكم الله تعالى فيها ليعمل به، ورجع إلى عالم فإن ذلك العالم عليه أن يفتيه إذا كان عنده علم، وإذا لم يكن عنده علم يدله على ذلك ويكون عوناً له على ذلك أو يقول له: اسأل غيري.
فإذا كان المفتي ليس عنده معرفة الجواب أو الاطمئنان إلى الجواب فإنه يحيله إلى غيره، وإن كان عنده الجواب فإنه يجيبه ولا يتأخر في ذلك، فإذا كان عنده الجواب وهو يعرف الجواب فيجيبه في ذلك.
فالعلم فائدته: أن يعمل به ويبذله للغير، بمعنى: أن الإنسان يفيد نفسه ويفيد غيره، وقد ذكرنا في الدرس الماضي الحديث الذي فيه فضل العلم وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب) لأن علم العالم له ولغيره حيث يستفيد منه الناس ببذله، والعابد عبادته له لا تتعداه إلى غيره، فصار العالم مثل القمر، والعابد مثل الكوكب الذي ضوءه شيء يسير بالنسبة إلى ضوء القمر.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة) يعني: يكون اللجام على فمه مماثلة للعمل الذي حصل منه، وهو كونه لم يتكلم بالعلم ولم يبد العلم، ولم يحدث به ولم يخبر به وإنما منعه، فصار الجزاء من جنس العمل، فكما أنه لم يحرك فمه بالنطق بالحق، وإنما أغلقه وأقفله فإنه يوم القيامة يلجم بلجام من نار، يعني: أن الجزاء من جنس العمل.
وقوله: (من سئل عن علم فكتمه) المقصود: العلم الشرعي، والشيء الذي يكون الناس بحاجة إليه، فمثلاً: شخص حصل له واقعة أو حصل له قصة فجاء وسأل فيجب بيان الحكم له في هذه الواقعة، وأما بعض الأشياء التي إخفاؤها يكون فيه مصلحة فهذا المصلحة في إخفائها حتى لا يحصل من الناس التساهل في الأمور؛ مثال ذلك جاء في حديث معاذ رضي الله عنه لما قال: (أفلا أبشر الناس؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبشرهم فيتكلوا)، فإن بعض الأشياء قد يكون فيها تهاون من الناس إذا علموا بحكمها؛ فكونهم يرغبون في جانب الوعد ويغفلون عن جانب الوعيد ليس من الحكمة وليس من المصلحة، فمن العلم ما ينبغي إخفاؤه، وهو ما يترتب على إظهاره مضرة.
ومن أمثلة العلم الذي ينبغي إخفاؤه: أن الشيخ الألباني رحمه الله اعتنى بمسألة كشف الوجه وبيان أن ستره ليس بواجب، وأكثر من الاستدلال والرد وما إلى ذلك، وأنا أقول: إن هذا من العلم الذي ينبغي إخفاؤه، فكان ينبغي للشيخ رحمة الله عليه أن يخفيه، والناس إذا لم يعرفوا أنه غير واجب فإنه خير لهم، حتى لا يتساهلوا ويتهاونوا، فأنا أقول: هذا من العلم الذي ينبغي إخفاؤه؛ لأن بعض النساء مستعدة للانفلات قبل أن تجد مفتياً، فإذا وجدت مفتياً، قالت: هذا عالم كبير وأفتى بهذا؛ إذاً أنا أفعل هذا الشيء.
هذا مع أن الصحيح أن الذي أقره الشيخ ليس بصحيح.