قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن ابن محيصة عن أبيه رضي الله عنه (أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فنهاه عنها، فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى أمره أن اعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك)].
أورد أبو داود حديث محيصة رضي الله تعالى عنه أنه كان يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجامة، فكان ينهاه، وكرر عليه فقال:(اعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك)، وهذا يدل على ما دل عليه الحديث الذي قبله من أنه شيء لا يحرص عليه، ولا يفرح به، ولا يرغب فيه، بل كسب الحجام من المكاسب الرديئة والدنيئة التي ليست بذات شرف، ومع هذا فالناس لابد لهم منها، ويجوز أخذ الأجرة على الحجامة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الحجام أجره، ولو كان حراماً لم يعطه كما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنه.
قوله:(اعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك) هذا يدل على أنه مباح وليس بحرام، وفيه أنه ليس مما يرغب فيه، لأنها مهنة غير شريفة، لكن يصار إليها على قدر الحاجة، ولا بد للناس منها، والناضح من الدواب هي التي ينضح عليها أي: يستنبط الماء عليها، ويخرج الماء من البئر بواسطتها، والرقيق هو المملوك، فأذن له أن ينفقه على رقيقه وعلى نواضحه مع أن نفقتهما واجبة عليه، وهذا يدل أنه حلال، ولكن نهاه عن ذلك من أجل أنه كسب رديء.