[شرح حديث أبي سعيد الخدري في حق الطريق على من جلس فيه]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجلوس في الطرقات.
حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد عن زيد يعني ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والجلوس بالطرقات، قالوا: يا رسول الله! ما بد لنا من مجالسنا نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبيتم فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)].
قوله: [باب في الجلوس في الطرقات].
أي: أن ذلك لا يسوغ إلا بشرطه، وهو ما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يكن هناك بد من الجلوس في الطريق فعلى من يجلس أن يعطي الطريق حقه، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حق الطريق لما سأله الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم عن ذلك، فينبغي البعد عن الجلوس في الطرقات، وإذا كان دعا الأمر إلى ذلك، ولم يكن هناك بد، فلا بد من إعطاء الطريق حقه، وهو الذي بينه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في حديث أبي سعيد هذا.
قوله: [(غض البصر، وكف الأذى)].
أي: فلا ينظر إلى ما لا يجوز له النظر إليه، كالنظر إلى النساء، وكذلك كف الأذى عن الناس فلا يؤذيهم بقول ولا فعل.
قوله: [(ورد السلام)].
أي: عندما يسلم أحد يرد عليه؛ لأنهم جالسون، فالذي يأتي ماشياً ويبدأ بالسلام فيرد عليه الجالس؛ ولهذا قال: (ورد السلام) ولم يقل: ابتداء السلام؛ لأن الجالس هو الذي يسلَّم عليه، ولا يسلم هو على الناس، فإذا جاء أحد يمشي فلا يقول الجالس: السلام عليكم، وإنما الذي يمشي يقول: السلام عليكم، والجالس يرد السلام؛ ولهذا قال: (ورد السلام).
قوله: [(والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)].
فإذا حصل أمر يقتضي أن يوجه إلى خير، وأن يبصر بحق، فإنه يأمر بالمعروف، وكذلك إذا رئي أمر منكر، فإنه ينبه الذي حصل منه المنكر على ذلك، ويحذر من ذلك، ويخوف منه، فيكون هذا الجلوس فيه جلب مصلحة، ودفع مضرة، فغض البصر وكف الأذى فيه دفع للمضرة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورد السلام من المنفعة والمصلحة التي أمر بها.
فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والجلوس في الطرقات) فدل هذا على أن الأصل هو ألا يجلس في الطرقات، ولكن إذا كان هناك حاجة إلى الجلوس كما في قولهم: (ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها) فعليهم أن يعطوا الطريق حقه، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فأعطوا الطريق حقه) ليلفت أنظارهم إلى أن يعرفوا حق الطريق، فهو لم يقل: افعلوا كذا وكذا، وإنما قال: (فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق؟)؛ لأنهم حينما سألوا عنه فإن هذا يكون أدعى إلى ثبوته وفهمه؛ لأن الشيء الذي يحصل له أمر يقتضيه، ويحصل له سبب كأن يكون مجملاً ثم يستفسر عن تفصيله، فإن ذلك التفصيل عندما يذكر للسائل ينتبه له، ويتهيأ له، ويكون على استعداد وتشوق لاستيعابه، وعدم فوات شيء منه.
فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)، وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام.