[شرح حديث ذي اليدين من طريق حماد بن زيد]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السهو في السجدتين.
حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر، قال فصلى بنا ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يديه عليها إحداهما على الأخرى، يعرف في وجهه الغضب، ثم خرج سرعان الناس وهم يقولون: قصرت الصلاة، قصرت الصلاة، وفي الناس أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه، فقام رجل كان رسول صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين، فقال: يا رسول الله! أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: لم أنس ولم تقصر الصلاة، قال: بل نسيت يا رسول الله، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم، فقال: أصدق ذو اليدين؟ فأومئوا: أي نعم، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين ثم سلم، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع وكبر) قال: فقيل لـ محمد: سلم في السهو؟ فقال: لم أحفظه عن أبي هريرة، ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب السهو في السجدتين].
والمقصود بالسجدتين الركعتان؛ لأن الركعة يقال لها: سجدة، ويقال لها: ركعة، فالمقصود من ذلك السهو في السلام من ركعتين في الثلاثية أو الرباعية.
وسجود السهو يكون قبل السلام وبعده، فإذا كان سببه نقصاً يكون قبل السلام، كما في حديث ابن بحينة الذي فيه أنه قام وترك التشهد الأول، ثم سجد قبل أن يسلم سجدتين، وأما إذا كان سببه زيادة فإنه يكون بعد السلام كما في القصة التي أوردها أبو داود هنا من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم سلم سها في الصلاة وسلم من ركعتين، ثم روجع وكان يعتقد أنه قد أكمل الصلاة، فرجع إليها وصلى ثم سلم، وبعد السلام سجد للسهو.
فالحاصل أن قوله: (السهو في السجدتين) معناه: السهو في الاقتصار على ركعتين في الصلاة الثلاثية أو الرباعية ساهياً؛ لأن الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة كلها تتعلق بالسهو في سجدتين، إلا أن في آخرها حديثاً عن عمران بن حصين أنه سها فسلم بعد الثالثة، فيكون في هذه الترجمة تغليب؛ لأنه ذكر فيها السهو في سجدتين والسهو في ثلاث؛ لكن أكثر الأحاديث التي وردت في سهو النبي صلى الله عليه وسلم قبل إكماله الركعات فيها الاقتصار على ركعتين، فلعل هذا هو الذي جعل أبا داود يقتصر على السجدتين في الترجمة.
وتسمية الركعة سجدة تسمية للشيء باسم بعضه؛ لأن السجدة جزء من الركعة، فيسمى الشيء باسم بعضه، مثل ما مر بنا قريباً التشهد والمقصود به من التحيات إلى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ لكن سمي الكل باسم بعضه الذي هو أهم شيء فيه، وهو أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة في أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم إحدى صلاتي العشي وهي الظهر أو العصر كما جاء ذلك في الحديث، والعشي هو آخر النهار من الزوال إلى الغروب؛ لأن ما قبل الزوال صباح وبكور وما بعد الزوال عشي ومساء، فقال: (إحدى صلاتي العشي) ثم فسرها بالظهر أو العصر، يعني: أنه شك.
قوله: (ثم سلم، ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فوضع يديه عليها إحداهما على الأخرى، يعرف في وجهه الغضب صلى الله عليه وسلم) وجاء في بعض الروايات: (أنه شبك بين أصابعه واستند إلى هذه الخشبة المعروضة في المسجد).
قوله: (وخرج سرعان الناس) يعني: الذين يخرجون من المسجد ولا يمكثون، فخرجوا وهم يقولون: (قصرت الصلاة، قصرت الصلاة) لأن الزمن زمن تشريع، ففهموا أن الصلاة لم تعد رباعية وأنه نسخ ذلك وصارت ثنائية، هذا هو الذي فهموه.
وكان في الجالسين أبو بكر وعمر وشخص يقال له: ذو اليدين كان في يديه طول وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين، فقال: (يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟) يعني: هي واحدة من ثنتين: فإما أنه وقع نسيان، وإما أنه نزل الوحي وحصل تشريع بأن الصلاة الرباعية جعلت ثنائية.
فقال عليه الصلاة والسلام: (لم أنس ولم تقصر الصلاة) أي: في علمي وفي ظني أنه ما حصل نسيان ولا حصل تشريع بأن الصلاة تقصر، فلما قال له ذلك قال: (بل نسيت يا رسول الله) أي: ما دام أنه لم يحدث تشريع بقصر الصلاة فالنسيان قد حصل، فالرسول صلى الله عليه وسلم التفت إلى الناس وقال: (أصدق ذو اليدين؟) لأن هذا ما اختص به شخص واحد، بل الناس مشتركون فيه، ولا يختص بعلمه أحد دون أحد.
قوله: (فأومئوا: أي نعم) جاء في بعض الروايات أنهم قالوا: (نعم) ويمكن الجمع بينهما بأنهم جمعوا بين هذا وهذا، فأومئوا وقالوا: نعم، نوافق ما قاله ذو اليدين من أنه قد حصل النسيان.
(فرجع عليه الصلاة والسلام إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتين، ثم سلم) أي: تشهد وسلم، ثم سجد سجدتين للسهو.
وفي هذا الحديث قيل لراويه وهو محمد بن سيرين: (هل سلم في السهو؟ فقال: لم أحفظه عن أبي هريرة؛ ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم)، فكلمة: (نبئت) معناه وجود واسطة؛ لأن قول الراوي: نبئت أن فلاناً قال كذا، معناه أن بينه وبينه واسطة وليس بمتصل، فلا يوجد اتصال في ذكر التسليم، لكن التسليم جاء في حديث عمران بن حصين الذي أورده المصنف في آخر الباب فإنه ذكر أنه سجد بعد السلام سجدتين وأنه سلم، فهذا الذي ذكره محمد بن سيرين عن عمران بن حصين جاء عنه بالإسناد المتصل كما سيأتي ذكره.