للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في التشديد في ترك الجماعة.

حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة حدثنا السائب بن حبيش عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية).

قال زائدة: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة [باب في التشديد في ترك الجماعة]، يعني أن الإتيان بالصلاة في جماعة أمر مطلوب، وهو واجب على الرجال، ولا يجوز للرجال أن يصلوا فرادى أو أن يصلوا في بيوتهم، بل عليهم أن يأتوا إلى المساجد ويصلوا جماعة مع المسلمين في مساجدهم، فصلاة الجماعة واجبة، ومن العلماء من قال: إنها شرط.

ولكن الصحيح أنها ليست بشرط؛ لأن القول بأنها شرط معناه أنه لو صلى الإنسان وحده لم تصح صلاته، والصحيح أنها تصح صلاته، ولكنه يفوته خير كثير، ويأثم على ترك الواجب.

وقد جاءت أدلة كثيرة تدل على أن صلاة الجماعة واجبة، وأن من تركها يأثم، وأنه لا يرخص لأحد في تركها إلا من كان معذوراً، كمن كان مريضاً لا يستطيع أن يأتي المسجد فهو معذور؛ لقوله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦]، أما مع القدرة ومع الصحة والعافية فإنه يتعين على الإنسان أن يصلي مع الجماعة في المسجد، بل لو كان أعمى فإنه لا يُعذر؛ لأن العمى لا يمنع من الذهاب إلى المسجد، وإنما الذي يمنع هو المرض الذي لا يستطيع الإنسان معه أن يذهب إلى المسجد، وقد كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم يصيب الواحد منهم المرض فلا ترضى نفسه بأن يصلي في بيته، بل يأتي وهو يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.

والترجمة هي: (التشديد في ترك الجماعة)، يعني أن عدم الإتيان للصلاة جماعة أمر خطير وعظيم، وقد ورد فيه وعيد وتحذير وتخويف، هذا هو المقصود بالتشديد في ترك الجماعة، فليس بالأمر الهين أن تترك الجماعة، بل قد جاء ما يدل على عظم هذا الأمر وأهميته، وعلى خطورة تركه.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية)، وهذا الحديث يدل على ما ترجم له المصنف من أهمية الجماعة، وخطورة تركها، وأن عدم الإتيان بالصلاة جماعة فيه استحواذ الشيطان على هؤلاء الذين لا يصلون جماعة، سواءٌ أكانوا أهل قرية أم في بادية فإنه يجب عليهم أن يصلوا جماعة، فأهل القرية يصلون جماعة، وأهل البادية الذين هم في بيوت شعر وصوف ويتنقلون من مكان إلى مكان عندما يقطنون ويكونون في مكان يجتمعون لصلاة الجماعة ويصلون جماعة، ولا يصح أن كل واحد يصلي بمفرده، بل إن صلاة الجماعة ما تركت في حال الخوف، حيث جاء الكتاب وجاءت السنة في بيان أن الصلاة تقام جماعة، وأن الإمام يقسم الجيش إلى مجموعتين: مجموعة تصلي أولاً مع الإمام وتكمل لنفسها، ثم تأتي المجموعة الثانية وتصلي مع الإمام آخر صلاته وتكمل لنفسها ثم تسلم.

وهناك أوجه كثيرة جاءت في صلاة الخوف إذا كان العدو في جهة القبلة، وإذا كان في غير جهة القبلة، وهذا من أوضح الأدلة التي يستدل بها على وجوب الجماعة؛ لأنه لو كان أمر الجماعة هيناً لما أتي بها مع شدة الخوف ولا حصل تقسيم الناس إلى مجموعتين.

وقوله: [(ما من ثلاثة في قرية أو بدو لا تقام فيهم الصلاة -أي: جماعة- إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)] يعني أن الانفراد أو الشذوذ عن الجماعة والصلاة في حال انفراد هو من استحواذ الشيطان على الإنسان، ومن عمل الشيطان، ومن كيد الشيطان ومن مكر الشيطان بالإنسان، فكما أن الذئب يأكل القاصية المنفردة عن الغنم فكذلك الشيطان يستولي أو يستحوذ على من يشذ وينفرد عن الناس ولا يصلي مع الناس.

وقوله: [(ما من ثلاثة)] يعني الذي هو جمع، وأقل الجمع اثنان، ولكن ذكر الثلاثة لأنه أكمل الجمع، وأقل الجمع عند النحويين ثلاثة، وأما عند الفقهاء فاقل الجمع اثنان، وهكذا عند الفرضيين، فأقل الجماعة اثنان: إمام ومأموم، وكذلك أقل الجمع عند الفرضيين اثنان؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء:١١] واثنان من الإخوة يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، والله عز وجل قال: ((إِخْوَةٌ)) والذي يحصل به حجبها اثنان وليس ثلاثة.

وقوله: [قال زائدة: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة].

يعني أن السائب فسر قوله: [(الجماعة)] بأن المقصود: الصلاة في الجماعة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>