[شرح حديث جابر في قصة الرجل الذي جاء بمثل البيضة من ذهب]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يخرج من ماله.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد رضي الله عنه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أنه قال:(كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاءه رجل بمثل بيضة من ذهب فقال: يا رسول الله! أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من خلفه، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذه صدقة، ثم يقعد يستكفُّ الناس! خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى)].
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب الرجل يخرج من ماله، أي: أنه يتصدق بما يملك ولا يبقي عنده شيئاً منه، وذكْر الرجل هنا لا مفهوم له، فإن المرأة كذلك، وإنما يأتي ذكر الرجال كثيراً؛ لأن الغالب أن الكلام والخطاب يكون معهم، وإلا فإنه لا فرق بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا ما فرقت فيه النصوص، فعند ذلك يفرق بين الرجال والنساء في ذلك.
وهذه الترجمة من التراجم الكثيرة التي تأتي في سنن أبي داود رحمه الله وفيها التنصيص على الرجال؛ وذلك لأنهم الذين يكون معهم الخطاب غالباً، فليس له مفهوم.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: أن رجلا ًجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه قطعة ذهب مثل البيضة وقال: خذها يا رسول الله! فهي صدقة لا أملك غيرها فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى جهة اليمين فقال له ذلك، فأعرض عنه، ثم جاء إلى جهة اليسار فأعرض عنه، ثم أخذها منه وحذفه بها ولم تصبه، قال: ولو أصابته لأوجعته أو لعقرته أي: لحصل له ضرر بها، ثم قال: يأتي أحدكم بما يملك ويقول: هذه صدقة ثم يذهب يتكفف الناس، أي: يسأل الناس ويمد لهم يده؛ لأنه ليس عنده شيء، فقد أخرج ماله وتصدق بما يملك، ثم قال عليه الصلاة والسلام:(خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) أي: أن تكون الصدقة من مال كثير، فإذا تصدق بها صاحبها بقي عنده شيء لقوته ولنوائبه وما يحتاج إليه، وهذا بخلاف ما إذا أخرج ما عنده وليس عنده شيء يقتاته فإنه يضطر إلى أن يسأل الناس، وإلى أن يمد يده وكفه للناس؛ ليضعوا فيها شيئاً مما يحتاج إليه.
والتكفف -كما هو واضح- أنه يسأل الناس ويمد كفه، ومنه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:(إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) أي: يمدون أكفهم للناس ويسألونهم ما يحتاجون إليه، فالإنسان يُبقي على ماله ولا يتصدق بماله كله، وإنما يتصدق بما يمكنه منه، بحيث يبقى عنده ما يقوم بمصالحه.
وهذا الحديث فيه من الناحية الإسنادية محمد بن إسحاق وهو صدوق يدلس، وقد روى هنا بالعنعنة، وقد ضعف هذا الحديث الشيخ الألباني، ولعل ذلك بسببه، والجملة الأخيرة وهي قوله:(خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) ثبتت في أحاديث صحيحة سبق أن مرت، وسيأتي بعضها.
قوله:(أصبتُ هذه من معدن) أي: كأنه أخذها من مكان يستخرج منه معدن الذهب.