حدثنا ابن أبي خلف حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بني فزارة فقال: إن امرأتي جاءت بولد أسود، فقال: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حُمر، قال: فهل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لَوُرْقاً.
قال: فأنّى تُراه؟ قال: عسى أن يكون نَزَعَه عِرْق، قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عرق)].
قوله:[باب إذا شك في الولد] أي: من شك أن يكون الولد منه وتردد في ذلك، ولم يحصل القذف، ولم تحصل الملاعنة، أي: لا عبرة بهذا الشك، والولد للفراش ولو كان هناك تفاوت واختلاف في اللون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الولد للفراش)، فما دام أنه ولد على فراشه فهو له، بل لو حصل زنا والعياذ بالله فإنه يغلب جانب الفراش ولا ينظر إلى الزاني ولو كان هناك شبه به، كما في قصة عبد بن زمعة فالنبي صلى الله عليه وسلم ألحقه بالفراش، فالحكم في الأصل للفراش، ولا يتخلص الزوج من الولد إلا بالملاعنة بعد أن يكون قد قذفها بالزنا قذفاً صريحاً، فتتم الملاعنة، ثم ينتفي الولد منه ويكون تبعاً لأمه كما جاءت الأحاديث السابقة في اللعان.
قوله: [(إن امرأتي ولدت غلاماً أسود)] أي: أن لون الولد يخالف لون أبيه ولون أمه، فشكّ فيه ولم ينكره، ولم يقل: إنها زانية، وإنما أشكل عليه وجود لون يغاير لون الأبوين، فالولد أسود وهم بِيض، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:(هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقاً) أي: هي مجموعة وليس واحداً فقط، يعني: فيها وُرْق، (قال: فأنى تراه؟) أي: من أين جاءت هذه الورقة إلى هذه الإبل الحُمْر مع أن فحلها واحد؟ (قال: عسى أن يكون نزعه عرق) يعني: أنه شيء قديم، (قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عرق) أي: وولدك هذا لعل في أجداده أو جداته من لونه هذا اللون الأسود، فنزعه ذلك العرق الذي هو أصل من أصوله.
وهذا فيه دليل على إثبات القياس وأنه حجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاس شيئاً على شيء، والقياس من الأدلة الشرعية، ويُصار إليه عند عدم وجود النص الصريح في المسألة، وهو إلحاق فرع بأصل في حكم لجامع بينهما، وهو معتبر شرعاً، وقد جاءت فيه أدلة كثيرة ومنها هذا الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قاس هذا الولد الأسود الذي جاء من أبوين أبيضين على الإبل التي فحلها واحد وتكون حُمراً، ويأتي فيها من هو أورق، والأورق: هو الذي فيه سواد، أي: أنه يشبه لون الرماد، ولهذا يقال للحمامة: ورقاء، إذا كان لونها هذا اللون، فقاس النبي صلى الله عليه وسلم هذا على هذا، وهذا دليل على أن القياس حجة كما سبق.