للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شرح حديث الأعرابي الذي قال فيه: (اللهم ارحمني ومحمداً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من ليست له غيبة.

حدثنا علي بن نصر أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث من كتابه قال: حدثني أبي حدثنا الجريري عن أبي عبد الله الجشمي قال: حدثنا جندب رضي الله عنه قال: (جاء أعرابي فأناخ راحلته، ثم عقلها، ثم دخل المسجد، فصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى راحلته فأطلقها، ثم ركب، ثم نادى: اللهم ارحمني ومحمداً ولا تشرك في رحمتنا أحداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتقولون: هو أضل أم بعيره؟! ألم تسمعوا إلى ما قال؟! قالوا: بلى)].

أورد أبو داود باب من ليس له غيبة، أي: من تجوز غيبته، والأصل أن المسلم لا يُتكلم في عرضه، ولكن هناك أمور تستثنى فيمن يتكلم في عرضه، وقد ذكرها العلماء، وأوصلها بعضهم إلى سبعة، وهي موجودة في كتب المصطلح، وموجودة في رياض الصالحين في باب الغيبة، ومنها أن يتكلم الإنسان في باب الجرح والتعديل، وبيان معرفة حال الأحاديث وصحتها؛ لأنها تنبني على الكلام في الرجال، وهذا لا يعتبر من الغيبة وإنما هو من النصيحة.

وكذلك المستشار عندما يستشار فعليه أن يبين ما عنده في الرجل، حتى يبني المستشير أمره على كلام المستشار، سواء كان في مصاهرة أو مشاركة في تجارة أو غير ذلك؛ لأن هذه أمور يحتاج الناس إلى معرفتها، فمن سئل فعليه أن يجيب بالذي يعلمه، ولا يعتبر ذلك من الغيبة.

وكذلك فيما إذا كان الكلام في قصص وفي أناس مجهولين، ولا تعرف أشخاصهم، وليس هناك شيء يدل على معرفتهم؛ لأنه إذا وجد شيء يدل على معرفة الشخص فكأنه مسمى، لكن إذا لم يكن هناك شيء يدل على معرفته، فإن ذلك سائغ، ومن أمثلته حديث أم زرع الطويل الذي فيه قصة النساء اللاتي كن يتكلمن عن أزوجهن، وكل واحدة منهن تقول: زوجي كذا وزوجي كذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: (كنت لك كـ أبي زرع لـ أم زرع) إلخ الحديث الطويل المشهور وهو في الصحيح.

فالحاصل: أن هناك مواضع يجوز الكلام فيها ولا يعتبر ذلك من الغيبة.

وقد أورد أبو داود رحمه الله هذا الحديث من أجل الجملة التي فيه وهي: (هو أضل أم بعيره؟)؛ لأن هذا كلام في غيبته، وهو كلام يسوءه وهو كلام ذم، ولكن هذه الزيادة لم تأت من طريق صحيح، وإنما جاءت من هذا الطريق وفيه ضعف، ولكن أصل الحديث ثابت؛ لأن هذا الأعرابي هو الذي بال في المسجد، وهو الذي أجابه الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: (اللهم ارحمني ومحمداً، فقال: لقد تحجرت واسعاً)، فهذا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما هذه الجملة فقد جاءت من هذه الطريق، وهي غير صحيحة؛ لأن فيها ضعفاً، وأما ما عداه من ألفاظ أخرى فإنها ثابتة في الصحيحين وفي غيرهما، وأما هذه الجملة فليست صحيحة، لأنها جاءت بهذا الإسناد الذي هو غير صحيح.

<<  <  ج:
ص:  >  >>