للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[حكم شرب الدخان]

السؤال

أريد قولاً فصلاً في الدخان أهو حرام أم مكروه؟

الجواب

الدخان حرام، والدخان كما هو معلوم إنما حصل في الأزمنة المتأخرة، وقد مضت قرون طويلة ولم يوجد فيها الدخان، والشريعة كما هو معلوم مستوعبة لكل ما يجد ويحصل من النوازل، وكذلك الأمور التي لا وجود لها في زمن التشريع هي مستوعبة لها، وذلك بعموماتها، وبقياسها، وقواعدها، فإنها تستوعب مثل هذه الأشياء التي تنزل وتقع ولم يكن لها وجود من قبل، ومن المعلوم أن الدخان فيه أدلة متعددة تدل على تحريمه منها: أولاً: أنه من الخبائث وليس من الطيبات، والله عز وجل ذكر من صفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه يحل الطيبات ويحرم الخبائث، فإذا كان الدخان من الخبائث فهو محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الخبائث.

ثانياً: الله عز وجل نهى عن قتل النفس فقال: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء:٢٩]، ومعلوم أن الدخان سبب في قتل النفس، وأنه يجلب الأمراض التي تؤدي إلى الهلاك، وتؤدي إلى الوفاة، ولذا فهو يدخل تحت هذا العموم.

ثالثاً: الشريعة جاءت بتحريم إضاعة المال، والنهي عن إضاعة المال، وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان ينهى عن ثلاث: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) ولا شك أن بذل المال في الدخان إضاعة له؛ لأنه إضاعة في غير طائل، بل إضاعة في مضرة، ويمكن أن نذكر مثلاً يوضح مدى كونه من أشد ما يكون إضاعة للمال: لو أنك رأيت إنساناً معه نقود يمزقها ويرميها في الهواء، ماذا تقول له؟ وعمله هذا كيف يوصف؟ يوصف بأنه عمل سيئ، بل يتهم في عقله، ولكن هذا أهون من الذي يصرف الأموال في الدخان؛ لأن هذا ضيع نقوده فقط، وجسده لم يضره شيء، فإذا اشترى بالنقود دخاناً واستعمله، فمعنى ذلك: أنه أضاعه في مضرة، إذاً: الذي مزقها أحسن حالاً من هذا، وهذا أسوأ حالاً من ذاك الذي يمزق ولا يشتري بها دخاناً؛ لأن الذي مزقها وأتلفها جسمه لم يضره شيء من تمزيقها، وأما الذي اشترى بها دخاناً، فإنه أتلفها في أمر يعود على جسمه بالمضرة، فالأمر واضح جلي.

رابعاً: مما هو معلوم أن الدخان يسبب الأمراض؛ لأن الدخان يذهب إلى الجوف، والجهات التي يكون فيها دخان كيف يكون شكلها؟ فالمطابخ التي يطبخون فيها بالحطب، أو يطبخون في أشياء يظهر منها دخان تظهر مسودة، وملوثة غير نظيفة، وقذرة بسبب هذا الدخان، وإذا كانت الجدران وهي صلبة ويابسة يعلق فيها الدخان، فكيف بجوف الإنسان الذي فيه رطوبة؟! فمن باب أولى أن يعلق فيه الدخان، فيكون الإنسان قد جلب على نفسه المضرة من جهات كثيرة.

وبالمناسبة من ابتلي بشرب الدخان فإن شهر رمضان مناسبة عظيمة له للتخلص من الدخان، وذلك بأن يعقد العزم على أن يتركه وأن يعمر نهاره بالصيام، ويسلم من الدخان فيه، وفي الليل يأكل مما أحل الله له، ويتقرب إلى الله عز وجل بالطاعات، ويصلي مع الناس، ويصبر عن الدخان، فمن فعل ذلك فإنه تمر عليه أيام وقد ترك الدخان، فمن ابتلي بالدخان فليحرص على التخلص منه في هذه المناسبة العظيمة، وذلك بأن يعقد العزم ويصمم، ويكون شجاعاً، وقوياً على نفسه الأمارة بالسوء، بحيث يجاهدها ويتخلص من هذا البلاء الذي يضره في ماله، وفي بدنه، ويؤذي الناس الآخرين برائحته الكريهة، وهذه أيضاً من جملة المضار التي فيه غير ما ذكرته سابقاً، وهي أنه يؤذي الناس.

<<  <  ج:
ص:  >  >>