قوله:(وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) أي: قذفهن بالزنا، والمحصنات هن العفيفات، والإحصان يأتي ويراد به العفة، ويأتي ويراد به حصول الزواج، ولهذا قال الله عز وجل:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء:٢٤] فقوله: ((وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ)) أي: المتزوجات، ومعنى الآية: أنه لا يجوز للإنسان أن يتزوج بامرأة ذات زوج ((إِلَّا مَا مَلَكَتْ))، فإن المرأة التي تسبى وهي ذات زوج يبطل زواجها بزوجها الأول، فيحل للإنسان أن ينكحها ولو كانت ذات زوج؛ لأن الزواج الأول ذهب، وملك اليمين حل محله، فلا يجوز الزواج بالمحصنات، ويستثنى من ذلك ذات الزوج الكافر التي سبيت وهي كافرة، وسواء بقيت على كفرها أو أسلمت فإنه تنقطع صلتها بزوجها الأول، ويحل لمالكها ومن وقعت في سهمه أن يطأها على اعتبار أنها ملك يمين، كما قال الله عز وجل:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}[المؤمنون:٥ - ٦]؛ لأن قضاء الشهوة لا يحل إلا بطريقين اثنين: الأول: الزوجة.
والثاني: الأمة التي يملكها الإنسان، وغير ذلك لا يجوز {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}[المؤمنون:٥ - ٧]، فكل شيء وراء الزوجة وملك اليمين من العدوان، حتى العادة السرية؛ لأنها مما وراء ذلك وداخلة في قوله:((فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ))، فكل شيء غير الزوجة وملك اليمين محرم، وهو من العدوان.
فالإحصان يأتي بمعنى العفة كما يأتي في القذف، ويأتي بمعنى الزواج والتزوج؛ ولذا فإن الزاني المحصن يرجم وإن لم يكن عنده زوجة حين زنى، ولكنه سبق أن تزوج، واستمتع بالطريق المشروع بالزواج، فيقال له: محصن أو محصنة، لكن الإحصان عندما يأتي فيما يتعلق بالقذف فإن المراد به العفيفات.
وليس المقصود قذف النساء فقط دون قذف الرجال، بل قذف الرجال أيضاً مثل قذف النساء، قذف المحصنين العفيفين مثل قذف العفيفات، ولكنه جاء التعبير بالمحصنات لأن إلصاق هذا العيب بهن أخطر وأشد من إلحاقه بالرجل؛ لأنه يترتب على زنا المرأة إفساد الفراش، وإلحاق الولد بغير أهله، وربما ينتفي منه بلعان، فيكون في ذلك إفساد للفراش واختلاط الأنساب، وأن يكون في البيت من ليس من أهله، فلذلك جاء التنصيص على المحصنات، وإلا فإن المحصنين مثلهن، ولكن لبيان أن قذف النساء أخطر وأعظم لما يترتب عليه من تلويث للفراش، واختلاط الأنساب، وإلحاق من ليس من البيت بأهل البيت بسبب هذه الجريمة، وبسبب هذا الأمر المنكر؛ نص على (المحصنات المؤمنات الغافلات) أي: اللاتي لم يقعن في الريبة، ولا في الأمر المحرم، ومع ذلك تقذف وهي بريئة.
وقوله:(المؤمنات) هذا قيد؛ أي أن هذا الحكم إنما هو في حق العفيفات المؤمنات، وقد عرفنا أن الحكم لا يختص بالنساء وقذفهن، بل قذف الرجال الذين هم عفيفون من الكبائر، كما أن قذف المحصنات من الكبائر.