[شرح أثر ترحم كعب بن مالك على أسعد بن زرارة لجمعه بهم أول جمعة]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك -وكان قائد أبيه بعد ما ذهب بصره- عن أبيه كعب بن مالك رضي الله عنه:(أنه كان إذا سمع النداء يوم الجمعة ترحم لـ أسعد بن زرارة فقلت له: إذا سمعت النداء ترحمت لـ أسعد بن زرارة! قال: لأنه أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخضمات، قلت: كم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون)].
أورد أبو داود حديث كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصحابي المشهور صاحب القصة المشهورة في التخلف عن تبوك، وأورد عنه أبو داود رضي الله عنه هذا الحديث الذي فيه أن ابنه عبد الرحمن كان قائده لما عمي وفقد بصره، وكان أبوه إذا سمع الأذان يوم الجمعة ترحم على أسعد بن زرارة، فسأله ابنه عن سبب هذا الترحم عليه، فأخبره بأنه يتذكر أول جمعة جمعت، وكان الذي صلى بهم الجمعة وجمع بهم هو أسعد بن زرارة رضي الله تعالى عنه، وكان ذلك في المدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم إليها، وكان ذلك في هزم النبيت في حرة بني بياضة، يعني: في ذلك المكان جمع بهم وصلى بهم الجمعة، وهو أول من صلى بهم الجمعة، وكان عدد المصلين أربعين، وهذا يدل على إقامتها في القرى.
واستدل به بعض أهل العلم على أن عدد المصلين يوم الجمعة لا يقل عن أربعين؛ لأن أول جمعة جمعت كان عددهم فيها أربعين، قالوا: فلا ينقص العدد في الجمعة عن أربعين، لكن هذا الحديث لا يدل على اشتراط الأربعين، وإنما فيه بيان أنه حصل اتفاقاً أنهم كانوا أربعين، فليس فيه دليل على اشتراط هذا العدد، وأنه لا ينقص عدد المصلين يوم الجمعة عن هذا العدد، بل يجوز أقل من ذلك، ففي الحديث أن الصحابة لما سمعوا بالعير ذهبوا وما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً، بل يجوز أن يصلي الجمعة ثلاثة إذا كانوا أهل القرية، وهم مستقرون ومستوطنون، فإنهم يصلون الجمعة والجماعة؛ لأنه لم يأت حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقدار عدد الذين تنعقد بهم الجمعة.
والجمعة التي صلاها أسعد بن زرارة بأهل المدينة كانت قبل الهجرة، قبل أن يبنى مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، وقبل أن يبنى مسجد قباء.