[شرح حديث (ما صلى رسول الله العشاء قط فدخل علي إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلاة بعد العشاء.
حدثنا محمد بن رافع حدثنا زيد بن الحباب العكلي حدثنا مالك بن مغول حدثني مقاتل بن بشير العجلي عن شريح بن هانئ عن عائشة رضي الله عنها قال: سألتها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط فدخل علي إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات، ولقد مطرنا مرة بالليل فطرحنا له نطعاً، فكأني أنظر إلى ثقب فيه ينبع الماء منه، وما رأيته متقياً الأرض بشىء من ثيابه قط)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [الصلاة بعد العشاء] أي: النافلة بعد العشاء، وسبق أن مر أن العشاء يكون بعدها ركعتان وهي من جملة العشر الركعات التي جاءت في حديث ابن عمر، ومن جملة الاثنتي عشرة التي جاءت في حديث عائشة وأم حبيبة، وهي من السنن الرواتب، وهذا ثابت عن جماعة من الصحابة كما عرفنا عن عائشة وأم حبيبة وابن عمر.
وقد أورد أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة هذا الحديث عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعدما يصلي العشاء يأتي إلى بيتها، ويصلي أربعاً ستاً.
قولها: [(ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط فدخل علي إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات)].
هذا يخالف تلك الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله ومن قوله، وهي أن من حافظ على اثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة، وحديث عائشة الذي فيه التفصيل، وحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه، ففيه أنه كان يصلي في بيته ركعتين بعد العشاء، فهذا مخالف لها، وهذا فيه أنها ما رأته قط دخل عليها إلا وصلى أربعاً أو ستاً، فبعض أهل العلم قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا أحياناً وهذا أحياناً، وأحياناً يصلي أربعاً، وأحياناً ستاً، لكن الحديث غير صحيح، والثابت هو الركعتان بعد العشاء، وهي من السنن الراتبة.
قولها: [(ولقد مطرنا مرة بالليل فطرحنا له نطعاً، فكأني أنظر إلى ثقب فيه ينبع الماء منه وما رأيته متقياً الأرض بشيء من ثيابه قط)].
النطع: هو الفراش أو الوقاء الذي تتقى به الأرض ويكون من جلد، فقولها: [(فطرحنا له نطعاً)] أي: فراشاً أو شيئاً يصلي عليه أو يجلس عليه من جلد، وكان به ثقب، أي: ذلك النطع، وكان الماء يخرج من ذلك الثقب؛ لأن الماء موجود في الأرض، والرسول صلى الله عليه وسلم كان على هذا النطع، وفيه ثقب، فكان يخرج الماء من ذلك الثقب.
قولها: [(وما رأيته متقياً الأرض بشيء من ثيابه)] أي أنه ما كان يتقي الأرض بشيء من ثيابه لأجل الماء، وقد جاءت الأحاديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يصلي بالناس ليلة واحد وعشرين من رمضان ومطر الناس، ونزل المطر حتى صار في مصلاه عليه الصلاة والسلام انصرف من الصلاة وعلى وجهه أثر الماء والطين.
وهذا الذي ذكرته عائشة يدل على حفظها وإتقانها لهذا الشيء؛ لأنهم يقولون: الشيء إذا كانت له قصة فإنه يدل على حفظ صاحبه له؛ لأن الراوي حفظ الحديث وحفظ الشيء الذي لابس الحديث.
مثل قول ابن عمر: (وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على منكبي، وقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) ومعناه أنه يتذكر الهيئة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدثه، وهو أنه قد وضع يده على كتفه، فكونه يحفظ الحالة التي يكون عليها التحديث يدل على الحفظ، والحديث -كما ذكرت- غير صحيح وغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثابت عنه هو كونه كان يصلي ركعتين بعد العشاء في بيته.