شرح حديث أبي موسى (اشفعوا إليَّ لتؤجروا وليقض الله على لسان نبيه ما شاء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الشفاعة.
حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن بريد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اشفعوا إلي لتؤجروا، وليقض الله على لسان نبيه ما شاء)].
أورد أبو داود هذه الترجمة [باب في الشفاعة] والمقصود من الشفاعة هنا الشفاعة في أمور الدنيا وفي إعانة الإنسان على ما فيه خير له في دنياه.
والشفاعة: هي شفاعة الإنسان للإنسان بأن يضم صوته إلى صوته، أو يضم جهده إلى جهده، من أجل وصول المشفوع له إلى ما يريده من الخير، وتكون في الخير وتكون في الشر، فإن كانت خيراً فصاحبها مأجور، وإن كانت شراً فهي من التعاون على الإثم والعدوان، وصاحبها مأزور.
أورد أبو داود حديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(اشفعوا إلي لتؤجروا، وليقض الله على لسان نبيه ما شاء) يعني: كونوا عوناً لإخوانكم على قضاء حاجاتهم، وذلك بمساعدتهم عند من يتمكنون من أدائها وقضائها، وذلك بأن تضموا أصواتكم إلى أصواتهم ورغباتكم إلى رغباتهم للوصول إلى ما يريدون.
ومعنى ذلك أن الإنسان إذا شفع شفاعة فإنه يؤجر عليها إذا كانت في الخير، وسواء أجيب الطلب أو لم يجب، حققت الرغبة أو لم تحقق، ولهذا قال:(وليقض الله على لسان نبيه ما شاء) يعني: قد يحصل بمشيئة الله وإرادته أن تحقق الرغبة، وقد يحصل بمشيئة الله وإرادته ألا تحقق الرغبة، لوجود ما يمنع من ذلك، إما لعدم وجود الحاجة، أو ما يمكن قضاؤها به، أو لغير ذلك من الأسباب، وقد مر بنا قريباً أن الدال على الخير له مثل أجر فاعله.
والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن يشفع الناس بعضهم لبعض، وأن يكون بعضهم لبعض عوناً على تحقيق مراده.
قوله: [(وليقض الله على لسان نبيه ما شاء)] يعني: أن ما قدره الله وقضاه واقع، فإن قدر تحقيق الرغبة فإنها ستقع، وإن قدر عدم تحقيق الرغبة فإنها لا تقع، وكل شيء بقضاء الله وقدره، كما قال عليه الصلاة والسلام:(واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
وهذا الحديث يؤتى به في باب الشفاعة ويؤتى به في كتاب القدر؛ لأنه من أدلة القدر، وذلك لقوله:(وليقض الله على لسان نبيه ما شاء).