[شرح حديث (أن امرأة يهودية أتت رسول الله بشاة مسمومة فأكل منها)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن سقى رجلاً سماً أو أطعمه فمات أيقاد منه؟ حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك، فقال: ما كان الله ليسلطك على ذلك، أو قال: علي، فقالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا، فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)].
قوله: [باب فيمن سقى رجلاً سماً أو أطعمه فمات أيقاد منه؟].
ذكر الرجل هنا لا مفهوم له، فالمرأة كذلك، سواء كانت ساقية أو مسقية، وإنما يخاطب الرجال بالأحكام في الغالب، ولهذا يأتي ذكر الرجال أو الرجل دون النساء في تراجم الأبواب وفي كلام العلماء، والحكم لا يختص بالرجل دون المرأة، وكذلك يأتي في الأحاديث ذكر الحكم مضافاً إلى الرجل وهو لا يختص بالرجل، بل الأصل التساوي بين الرجال والنساء في الأحكام، إلا إذا جاء دليل يدل على اختصاص الرجال بحكم دون النساء فإنه يختص بهم، أو جاء دليل يختص بالنساء دون الرجال فإنه يختص بهن.
وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم لواحد خطاب للجميع، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، ومن قتل غيره بسم سقاه إياه أو أطعمه إياه ومات بسبب ذلك، فإنه يقاد منه، بل إن القود يكون بالمماثلة فيقتل بما قتل به، فإذا قتل بسم قتل بسم، وإذا ألقى المقتول من شاهق ألقي القاتل من شاهق، وإذا قتل بأي شيء قتل به، إلا أن يكون ذلك الفعل محرماً لا يجوز فعله في حق الرجل أو المرأة، فإنه لا يفعل به الفعل المحرم الذي فعله بغيره.
ومن الأدلة على ذلك: فعل الرسول صلى الله عليه وسلم باليهودي الذي رض الجارية بين حجرين فأمر صلى الله عليه وسلم أن يرض بين حجرين؛ لأن هذه مماثلة، والقصاص يكون بالمماثلة، وإذا أراد أن يقتص بشيء آخر أقل منه فإنه لا بأس بذلك، ولكن القتل بالمماثلة سائغ وجائز.
وقد أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [(أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك، فقال: ما كان الله ليسلطك على ذلك أو قال: علي، فقالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا، فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)].
هذه امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام شاة مشوية ووضعت فيها سماً، وجعلت قسطاً كبيراً من السم في الذراع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الذراع، ولما أكل رسول الله عليه الصلاة والسلام ومعه بعض أصحابه تكلمت الذراع، أنطقها الله عز وجل وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بأنها مسمومة، فامتنع الرسول صلى الله عليه وسلم من الأكل وأمر الذين معه أن يمتنعوا عن الأكل، ثم دعا بالمرأة فسألها عن ذلك، فقالت: أردت أن أقتلك، فقال عليه الصلاة والسلام: [(ما كان الله ليسلطك على ذلك أو قال: علي)] شك من الراوي.
[(فقالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا)].
وذلك أنه صلى الله عليه وسلم ما كان ينتقم لنفسه، ولكنه جاء في بعض الروايات أنه أمر بقتلها؛ لأنه مات بسببها بعض أصحابه.
إذاً: التوفيق بين ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن قتلها لما استأذنوه، وبين أنه أمر بقتلها كما جاء في بعض الروايات: أن نهيه عن قتلها كان فيما يتعلق به، فهي قد سمته فلم ينتقم لنفسه صلى الله عليه وسلم، ولكنه لما مات بعض أصحابه بسبب ذلك السم أمر بقتلها فقتلت.
قال أنس: [(فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم)] يعني: كأنها علامة سواد أو شيء من التغير في لهواته صلى الله عليه وسلم.
أما كيف قتلها فلا نعلم أقتلها بالسم أو غيره، لكن كما عرفنا أن من قتل بشيء قتل به، ويجوز أن يقتل بغير ما قتل به.