للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث: (كان رسول الله يستن وعنده رجلان)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يستاك بسواك غيره.

حدثنا محمد بن عيسى حدثنا عن عنبسة بن عبد الواحد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن وعنده رجلان أحدهما أكبر من الآخر؛ فأوحى الله إليه في فضل السواك أن كبر: أعط السواك أكبرهما)].

أورد أبو داود باباً في الرجل يستاك بسواك غيره.

يعني: أن ذلك سائغ، وأن الشخص يمكن أن يستاك بسواك غيره، وأنه لا مانع من ذلك ولا محذور فيه، وأورد فيه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستن، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث تحت الترجمة، والاستياك: هو أن يدلك الإنسان أسنانه بالسواك، وأصل الاستنان مأخوذ من إمرار الشيء الحديد كالسكين على الذي يسمونه المسن؛ حتى يشحذها لكي تكون حادة، فكان يدلك أسنانه ويستن كما يفعل بالمسن عندما يجرى الحديد عليه من أجل أن يشحذه فيكون حاداً وقاطعاً، كما يعمل بالمدية عندما تسن بشيء فيه خشونة حتى تكون حادة.

فالمقصود منه قوله: (يستن) يعني: أنه كان يدلك أسنانه بالسواك، وكان عنده رجلان.

وقوله: (وأوحى الله إليه في فضل السواك أن كبر)].

يعني: في باقيه، فالفضل هو الباقي، وقوله: (أن كبر) يعني: أن يعطي السواك لغيره ولكن يعطيه للكبير، وهذا يدلنا على توقير الكبار وتقديمهم على غيرهم، وقد جاء في حديث حويصة ومحيصة أنهما أتيا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأراد أصغرهما أن يبدأ بالكلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كبر) يعني: دع الأكبر يتكلم.

والمقصود هنا أن هذا السواك الذي استاك به رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه لأكبرهما ليستاك به! ويدل هذا الحديث على استياك الرجل بسواك غيره، وكذلك سيأتي في حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم أعطاها سواكه لتغسله، فبدأت واستاكت به، ثم غسلته وأعطته إياه، فدل على جواز الاستياك بسواك الغير.

وذكر الرجل -كما ذكرت مراراً- لا مفهوم له، فيدخل في هذا الرجل وكذلك المرأة، ففي حديث عائشة الذي سيأتي أنها استاكت بسواك الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحد الرجلين الذي هو الأكبر استاك بسواك الرسول، فلا يختص الحكم بالرجال دون النساء إلا إذا وجد دليل في أمر من الأمور أو في حكم من الأحكام على أن هذا الحكم يخص الرجال أو يخص النساء، وإلا فإن الأصل هو تساوي الرجال والنساء في الأحكام، وهذه قاعدة من قواعد الشرع، وقد أشرت إليها مراراً وتكراراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>