[شرح حديث عدي بن حاتم في شروط الصيد بالكلب والمعراض]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الصيد.
حدثنا محمد بن عيسى حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن همام عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: (سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قلت: إني أرسل الكلاب المعلمة فتمسك علي أفآكل؟ قال: إذا أرسلت الكلاب المعلمة وذكرت اسم الله؛ فكل مما أمسكن عليك قلت: وإن قتلن؟ قال: وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس منها، قلت: أرمي بالمعراض فأصيب، أفآكل؟ قال: إذا رميت بالمعراض وذكرت اسم الله فأصاب فخرق فكل، وإن أصابه بعرضه فلا تأكل)].
أورد أبو داود باباً في الصيد، أي: الاصطياد، وسواء كان ذلك بالآلة التي تكون بيد الإنسان كالسهام، أو بواسطة الكلاب المعلمة، أو بواسطة الطيور المعلمة كالباز ونحوه من الصقور والفهود التي تتخذ للاصطياد؛ فكل هذه من الوسائل التي يتم بها الاصطياد.
ولكن الحيوانات إنما يحل صيدها إذا كانت معلمة، وبشروط وقيود جاءت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد أورد أبو داود حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: [(سألت النبي صلى الله عليه وسلم قلت: إني أرسل الكلاب المعلمة فتمسك علي أفآكل؟ قال: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك)] يعني: يشترط أن يكون معلماً، وأن يرسله، وأن يذكر اسم الله عليه، وأن يمسك لصاحبه لا لنفسه؛ فهذه قيود وأمور مطلوبة في الحيوان الذي يصيد كالكلب.
والمعلم هو الذي درب على أنه إذا أرسل انطلق، وإذا زجر ومنع امتنع، وإذا صاد لم يأكل وإنما يترك الصيد لمن أرسله.
قوله: [(فكل مما أمسكن عليك)] يعني أنه إذا كان إمساكها إنما هو من أجلك، ولم تمسك لنفسها، فلك أن تأكل، وأما إذا أمسكته وأكلت؛ فهذا يدل على أنها أمسكت لنفسها ولم تمسك لك، فينتفي حينئذ هذا القيد الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي جاء في القرآن: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة:٤] وإذا انتفى لم يحل ما أمسكته.
وأيضاً مع إمساكها لابد أن تكون قد جرحته إن كان قد مات، وإن أمسكته وبقي على قيد الحياة فجاء صاحبها وذبحه الذبح المشروع في الرقبة أو في الحلق أو اللبة فذاك، وأما إن أمسكه ولم يجرحه ولكنه ضربه أو برك عليه ومات بثقله، فإنه لا يحل ويكون ميتة، مثل المتردية والنطيحة، وكذلك إذا لم يجرحه وأدركه صاحبه وبه حياة ولكنه لم يذبحه فإنه يكون ميتة ويكون وقيذاً، أي مثل الذي رمي بحجر أو معراض ومات بسبب الثقل، كما سيأتي أنه إذا أرسل الرمح فأصابه بحده فخزق حل، وإن كان بعرضه -أي بثقله- فإنه لا يحل.
فالكلب إذا أمسك إما أن يجرح وإما أن يمسكه وهو حي ويأتي صاحبه ويذبحه فهذان حلال، وإن أمسكه فضربه أو برك عليه ومات بسبب بروكه عليه أو بسبب ضربه، فإنه يكون ميتة ولا يحل أكله.
قوله: [(قلت: وإن قتلن؟ قال: وإن قلتن، ما لم يشركها كلب ليس منها)].
والمراد بالقتل هنا كونه أدرك وهو ميت مقتول، أما إذا كان أدركه وفيه حياة وذبحه فإنه يحل، وإنما استشكل ما إذا أدركه وهو ميت وفيه جرح قد خرج منه الدم، فإذا كان كذلك فإنه يحل إلا إذا كان معها كلاب أخرى؛ لأنه قد يكون الذي قتله غير كلبه الذي أرسله وسمى عليه؛ فلهذا حرم؛ لأنه لم يكن متحققاً أنه من كلبه، أما لو أدركه وفيه حياة وذبحه فإنه يكون حلاً لذبحه إياه.
فمعنى: [(وإن قتلن)] أي: إذا قتلنه وخرجت روحه وكان ذلك بجرحه، أما إذا كان بدون الجرح وإنما مات بالبروك عليه فإنه لا يحل.
قوله: [(قلت: أرمي بالمعراض فأصيب أفآكل؟ قال: إذا رميت بالمعراض وذكرت اسم الله فأصاب فخرق فكل، وإن أصابه بعرضه فلا تأكل)].
المعراض هو خشبة في رأسها حديدة لها حد أو خشبة في رأسها محدد وإن لم يكن من الحديد، فإذا رمى به ثم دخل هذا الحد في الحيوان وأصابه فإنه يحل بذلك، وإن أصاب بعرضه ومات بسبب الثقل فإنه يكون وقيذاً ولا يحل.