[شرح حديث: (إن المؤمن إذا أصابه السقم ثم أعفاه الله منه كان كفارة لما مضى من ذنوبه)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الجنائز: باب الأمراض المكفرة للذنوب.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني رجل من أهل الشام يقال له: أبو منظور، عن عمه أنه قال: حدثني عمي عن عامر الرامي أخي الخضر، رضي الله عنه -قال أبو داود: قال النفيلي: هو الخضر ولكن كذا قال- قال: (إني لببلادنا إذ رُفعت لنا رايات وألوية، فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذا لواء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتيته وهو تحت شجرة قد بُسط له كساء وهو جالس عليه، وقد اجتمع إليه أصحابه، فجلست إليهم، فذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأسقام فقال: إن المؤمن إذا أصابه السقم ثم أعفاه الله منه كان كفارة لما مضى من ذنوبه، وموعظة له فيما يستقبل، وإن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه، فلم يدر لم عقلوه ولم يدر لم أرسلوه، فقال رجل ممن حوله: يا رسول الله! وما الأسقام؟ والله! ما مرضت قط! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قم عنا فلست منا، فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل عليه كساء، وفي يده شيء قد التفّ عليه، فقال: يا رسول الله! إني لما رأيتك أقبلتُ إليك، فمررت بغيضة شجر فسمعت فيها أصوات فراخ طائر، فأخذتهن فوضعتهن في كسائي، فجاءت أمهن فاستدارت على رأسي، فكشفت لها عنهن فوقعت عليهن معهن، فلففتهن بكسائي، فهن أولاء معي، قال: ضعهن عنك، فوضعتهن وأبت أمهن إلا لزومهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: أتعجبون لِرُحم أم الأفراخ فراخها؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: فوالذي بعثني بالحق! لله أرحم بعباده من أم الأفراخ بفراخها، ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن وأمهن معهن، فرجع بهن)].
ثم ذكر أبو داود كتاب الجنائز، والمشهور عند العلماء أنهم يضعونه في آخر كتاب الصلاة؛ لاشتماله على صلاة الجنازة، فغلبوا جانب الصلاة على الأمور الأخرى في الجنائز من التكفين والدفن والتغسيل، فيضعون كتاب الجنائز بجميع أحكامه من صلاة وغيرها في آخر كتاب الصلاة، وأما أبو داود رحمه الله فقد وضعه هنا بعد كتب كثيرة من كتب المعاملات، فلا أدري وجه تأخيره ووضعه في هذا المكان، وهو خلاف المشهور عند العلماء.
والجنائز: جمع جنازة، والمقصود به الميت، سواءً كان ذكراً أو أنثى.
ثم أورد أبو داود باب: الأمراض المكفرة للذنوب، ومعلومٌ أن الأمراض والأسقام والبلاء التي تصيب الإنسان إذا صبر عليها واحتسب فإنها من أسباب تكفير الذنوب كما جاء في أحاديث كثيرة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها: (عجباً لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، إن إصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن)، وهناك أحاديث كثيرة وردت في هذا تدل على أن الأمراض والأسقام يكفر الله تعالى بها الذنوب والخطايا، ولكن لا يكون هذا إلا مع الصبر والاحتساب.
ثم أورد أبو داود هنا حديثاً ضعيفاً عن عامر الرامي رضي الله تعالى عنه ذكر فيه قصة وهي: أنه كان ببلده فرأى ألوية ورايات، فسأل عنها فأخبر بأنها رايات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخبر أن رجلاً مر بغيضة وفيها أفراخ طائر فحمل هذه الأفراخ، وأن أم هذه الأفراخ لحقته فكشف لها عن أولادها فنزلت معهن، ثم حدث بالحديث الذي فيه ذكر الأمراض.
قوله: (إذ رفعت لنا رايات وألوية) الرايات والألوية قيل: هما بمعنى واحد، وقيل: إن أحدهما أظهر وأعم من الآخر.
قوله: (إن المؤمن إذا أصابه السقم ثم أعفاه الله) يعني: شفاه الله منه، (كان كفارة لما مضى من ذنوبه، وموعظة له فيما يستقبل) أي: من الزمان، ومعنى ذلك أنه يستفيد من ذلك في المستقبل، ويستفيد من ذلك في الماضي، فيستفيد في الماضي بأنه يكفر ما مضى من ذنوبه، ويستفيد مستقبلاً بأن يعتبر ويتعظ، ويكون ذلك حافزاً له إلى أن يعمل صالحاً، وأن يبتعد عن المحرمات.
[(وإن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه، فلم يدر لم عقلوه، ولم يدر لم أرسلوه)].
أي: أن المنافق على خلاف المؤمن، فإذا أصابه المرض ثم شفي منه فإنه لا يحرك فيه ساكناً، ولا يلتفت إليه، ولا يعتبر ولا يتعظ به، ويكون كالبعير الذي عقله أهله ثم أطلقوه، فلا يدر لماذا عقلوه، ولا لماذا أطلقوه، أي: أنه لا يستفيد من ذلك في تكفير الذنوب، ولا يتعظ ويعتبر في المستقبل، فهو باقٍ في غيه وضلاله ونفاقه.
قوله: [فقال رجل ممن حوله: يا رسول الله! وما الأسقام والله ما مرضت قط؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (قم عنا فلست منا) أي: لست من أهل طريقتنا الذين تحصل لهم تلك الأسقام، فإن فيها التكفير والعبرة والموعظة.
والحديث -كما عرفنا- غير صحيح.
قوله: [فبينما نحن عنده إذا أقبل رجل عليه كساء، وفي يده شيء قد التفَّ عليه، فقال: يا رسول الله! إني لما رأيتك أقبلت عليك، فمررت بغيضة شجر]، الغيضة: هي الشجر الملتف.