قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في تضعيف الذكر في سبيل الله تعالى: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب عن يحيى بن أيوب وسعيد بن أبي أيوب عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الصلاة والصيام والذكر تضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف)].
أورد أبو داود تضعيف الذكر في سبيل الله، أي: مضاعفة أجره وكثرة ثوابه عند الله عز وجل، وأورد فيه أبو داود حديث معاذ بن أنس رضي الله تعالى عنه.
وهذا الحديث يدل على أن الصلاة والصيام والذكر لله عز وجل تضاعف على الإنفاق في سبيل الله، وهذا غير مستقيم، والحديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن شأن الصدقة عظيم ونفعها متعدٍّ، ويكون فيها تمكين المجاهدين من الجهاد، بخلاف الصوم والصلاة والذكر، فإنها من العبادات القاصرة على صاحبها.
وهذا الحديث غير صحيح لأن فيه زباناً وهو ضعيف لا يحتج به، والمعنى فيه غرابة، حيث جعل الأعمال القاصرة تفوق الأعمال المتعدية، وقد جاءت أحاديث تدل على فضل الأعمال المتعدية على القاصرة ولهذا يأتي كثيراً تقديم الزكاة على الصيام، والرسول صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ أمره بأن يبدأ بالأهم فالأهم فيدعو أولاً إلى الشهادتين ثم إلى الصلاة ثم إلى الزكاة، وجاء في الحديث:(فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب) لأن علم العالم له ولغيره، والمصلي صلاته له وحده لا تتعداه إلى غيره، فالإسناد غير صحيح والمعنى فيه في غرابة.
وقوله: [(في سبيل الله)].
المقصود به الجهاد؛ لأن سبيل الله يأتي بمعنيين: يأتي ويراد به وجوه البر ووجوه الخير كلها، ويأتي يراد به الجهاد في سبيل الله، ولهذا فإن مصارف الزكاة الثمانية ذكر منها:{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة:٦٠] والمقصود به الجهاد، لأنه لو كان المراد به المعنى العام الذي هو وجوه البر فالفقراء والمساكين من وجوه البر، وكذلك إعطاء المؤلفة قلوبهم والغارمين، وفك الرقاب، وابن السبيل، كل ذلك في سبيل الله بالمعنى العام؛ لكن لما كان قسماً من الأقسام الثمانية علم أنه يراد به خصوص الجهاد في سبيل الله، ومنه:(من صام يوماً في سبيل الله) أي: وهو في الجهاد، ولهذا أورد البخاري هذا الحديث في كتاب الجهاد.