[شرح حديث (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: في ثواب قراءة القرآن.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)].
قوله: [باب: في ثواب قراءة القرآن] يعني: عظم أجرها وجزيل ثوابها عند الله عز وجل.
قوله: [(خيركم من تعلم القرآن وعلمه)] يعني: خيركم وأفضلكم من عمل بالقرآن تعلماً وتعليماً على الوجه الذي ينبغي، بأن يتعلم القرآن ويتدبر ما فيه، وأن يستنبط ما فيه ويعمل به، وكذلك بعد أن يتعلم القرآن يعلمه لغيره، فيكون مستفيداً مفيداً وعالماً معلماً.
وقد قال ابن الأعرابي -كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري-: لا يكون الرجل ربانياً حتى يكون عالماً عاملاً معلماً، فيتعلم القرآن ويتعلم أحكامه ويعلم ذلك.
ومما يتبع ذلك تعلم العلوم الأخرى التي يحتاج إليها في معرفة القرآن، وفي معرفة الأحكام، وكذلك السنة التي تشرح القرآن وتفسره وتدل عليه؛ لأن خير ما يفسر به القرآن القرآن، وكذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالله تعالى في كتابه آيات تفسر آيات أخرى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته يفسر الآيات ويبين المراد منها ويشرحها، ثم بعد ذلك يفسر القرآن بأقوال الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم وعلى منوالهم.
فهذا حديث عظيم يدل على فضل العناية بالقرآن حفظاً وتعلماً وتعليماً وتلاوة وعملاً، وفيه الجمع بين الإفادة والاستفادة، كونه يتعلم ليستفيد ويعلم ليفيد، فيكون نفعه ليس قاصراً، بل متعد، فهو ينتفع وينفع، ويستفيد ويفيد، ويهتدي ويهدي، ويَرْشُد ويُرشِد.
قوله: [(خيركم من تعلم القرآن وعلمه)].
يعني: خير الناس من تعلم القرآن وعلمه، والخيرية على إطلاقها.
ولا يوجد تعارض بين تعلم القرآن وبين الجهاد في سبيل الله؛ لأنه يمكن أن يتعلم الإنسان القرآن في أوقات ويجاهد في أوقات، ويجمع بينهما، وكل منهما عمل عظيم، ولكن الجهاد وكل الأعمال إنما تعرف عن طريق القرآن وعن طريق السنة التي هي شارحة القرآن ودالة على القرآن؛ لأن الأعمال الصحيحة إنما تكون مبنية على علم، والعلم إنما يكون من الكتاب والسنة، يقول الله عز وجل: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:٣] يعني: آمنوا عن علم وبصيرة {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:٣].
وإذا كان هناك حلقات علم فيها تجويد القرآن وقراءته فيمكن الإنسان أن يتفق مع شخص عنده قدرة في القراءة ليحضر عنده في أوقات محددة وأوقات معينة؛ حتى يتقن القراءة ويجيدها، ولكن لا تكون المداومة والملازمة إلا بالاشتغال بعلم الكتاب والسنة والعلوم التي تخدمهما وتوضحهما وتبينهما؛ لأن هذه تحتاج إلى مداومة وإلى استمرار، وإلى إنفاق الأوقات والساعات في تحصيل تلك العلوم التي لابد منها.